كنت قد ابتعدت منذ فترة ليست بالقصيرة عن الخوض فى الأحداث السياسية على مدونتى الخاصة و إكتفيت بالمناقشات السياسية و الحوار على مواقع التواصل الإجتماعى. و لكن فى خضم الأحداث السريعة و المتلاحقة التى تمر بها مصر قررت أن أبين رأيى على المدونة فيما يحدث الآن فى مصر, فى مقال ليس بالتحليلى و لكنه تعليق على الأحداث, تلك الأحداث التى تزداد عبثيتها يوما بعد يوم, ينمو العبث و يتشعب و ينمى ليهيمن على كل مشهد فى الأحداث الحالية التى تحتاج إلى تثوير حقيقى لفهم كنهها.
و يصل العبث إلى ذؤابته بإعلان تحالف القوى العلمانية مع قوى النظام السابق و رجال أعماله عدم قبوله بالنتيجة التى أسفرت عنها العملية الديموقراطية على الرغم من مشاركته فى العملية من بدايتها, و هو بذلك يشبه فريق كرة القدم الذى يخوض مباراة ما و يرتضى لإدارتها حكما بعينه - و هو فى حالتنا الصندوق - ثم يرفض الإعتراف بهزيمته و يتحجج بحجج واهية على غرار ظلم الحكم أو عدم ملائمة الجو أو سوء أرضية الملعب. و يظل هذا الفريق المهزوم يوهم نفسه بأن تلك هى أسباب الهزيمة لأنه لا يريد أن يدرك أو يقتنع أن منافسه يفوقه مهارة و خبرة فى هذا المضمار, و أن الإشكالية الحقيقية تكمن فيه ذاته; كحال القوى المدنية فى بلادنا التى لا تريد أن تدرك و تعترف بأنه لا يمكن بأى حال من الأحوال و تحت أى ظرف من الظروف أن تتساوى ثمار عمل عشرات السنين فى الشارع بين الجماهير مع ثمار عمل أشهر معدودة!
الشعب ارتضى أن يكون الصندوق هو الحكم فى تلك المبارة و هو لن يقبل أطروحة رفض نتائجه و الإنقلاب عليها لأنه يدرك خطورة إذكاء الفتنة مجددا. فالإعتراض على الحكم المرتضى مسبقا يعنى خوض الطرفان المتصارعان لمباريات بلا حكام, و هى حتميا مباريات بلا فائز, سيهلك فيها الطرفان كليهما. أو أن يكون الجيش هو الحكم (غير العادل على الإطلاق) لفترة زمنية لا يعلم مداها إلى الله !!
فى أعقاب إعلان نتيجة المرحلة الأولى من الإستفتاء على الدستور و التى جائت ب(57% نعم مقابل 43% لا) تفاخرت العديد من القوى الثورية بنسبة من رفضوا الدستور معتبرين رفضهم برهانا على ثوريتهم و إنحيازهم لمعسكر الثورة, بل و عد البعض الرفض برهانا على نفور الجماهير من المشروع الإخوانى برمته و ظن كل فصيل (حيث تتكون المعارضة من عدة فصائل غير متجانسة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار) أن الرافضين إنحازوا لمشروعه. و فى هذه الرؤى مغالطات عدة, فأولا واهم هو ذلك الذى يظن أن كل الرافضين منحازين لمعسكر الثورة, أو أن الرفض برهانا على الإيمان بالثورة و أهدافها, فلا يمكن أن نغفل عن كون نسبة كبيرة من الرافضين هم ممن أعطوا أصواتهم للمجرم أحمد شفيق فى إنتخابات الرئاسة 2012 , بالإضافة إلى كثير من الأقباط الذين صوتوا بناءا على توجيهات من الكنيسة, و لكننا فى الوقت ذاته لا يجب أن ننكر أن عددا ليس بالقليل ممن صوتوا بعدم موافقتهم على مشروع الدستور هم ممن أعطوا صوتهم لمحمد مرسى فى إنتخابات الرئاسة و لكن أعيتهم و خيبت آمالهم تصرفات الرئيس محمد مرسى وجماعته فى الأشهر الماضية و هى تصرفات كثير منها طفولى غير مقبول, بالإضافة إلى بعض من يرضون عن مشروع الدستور ولا تزعجهم مواد العسكر فيه ولا غيرها و لكنهم تصيبهم حالة من الهلع لدى سماع سيرة (التيار الإسلامى), هم ليسوا بمعارضين للمرجعية الإسلامية أو للهوية الإسلامية أو بمعنى أدق لتصورهم هم عن تلك المرجعية, و لكن مخيلاتهم تصور لهم مشاهدا لرجال مقطوعى الأيدى و آخرين مبتورى الأيدى و الأرجل تغص بهم الشوارع, و كأن البلد ليس فيها إلا السارقين و المفسدين!! و يعضد الإعلام على تنمية تلك التصورات فى أدمغتهم عن طريق تصوير كتاب الشريعة الكبير على أنه ليس فيه إلا صفحة الحدود وحدها!
لا أريد أن يفهم من كلامى تنزيها لفريق (نعم) بجملته, أو أن جميع من صوتوا بالموافقة ثوارا أو منحازين لمعسكر الثورة, ولا يمكن إنكار أن جمعا كبيرا منهم صوت بالموافقة واهما أنه يختار حكم الشريعة الإسلامية أو أنه يصوت بالموافقة على ((أفضل دساتير العالم)) - مثلما قيل - دون أن يقرأ من ذلك الدستور حرفا, و الكثيرون صوتوا بناءا على توجيهات فوقية مثلهم مثل من صوت بناءا على توجيهات فوقية من الأقباط.
و بهذا يتضح لنا أن الكثيرين سواء فى معسكر (نعم) أو معسكر (لا) لم يكونوا يصوتون على الدستور و مواده بل كانوا يصوتون على (القوى الإسلامية) قبولا أو رفضا . . و التعميم مرفوض بالطبع فهناك من قرأ الدستور و إستحسن مواده فوافق عليه, و هناك من سائته المواد فرفضه, و لكنى أحسب أن هؤلاء يمثلون الجانب الأقل من عدد من صوتوا . . . و الله أعلم.
الدستور ليس بداية مسار التغيير كما أنه ليس نهايته, فالمسار ما زال طويلا, و إعتمادنا فى التغيير لا يمكن أن يكون على الدستور أو أى من آليات التغيير من الأعلى, فالقاعدة الثابتة فى تاريخ النشاط الإنسانى أن التغيير الحقيقى يبدأ من الأسفل, من حيث تكمن الإشكالية. و أى تغيير يتم فرضه من الأعلى هو مجرد غطاء ظاهرى سطحى زائف للباطن الذى لم يتغير.
و عندما أقول أنى لو كان لى حق التصويت لقلت (نعم) فهذا ليس من منطلق كونه دستور الثورة أو دستور إسلامى, فأنا أوقن أن هذا الدستور ليس بالدستور المأمول الذى يعبر عن أحلام الملايين الذين خرجوا يطالبون بالحرية و العدالة و الكرامة, و لست أرى أن هذا الدستور دستورا إسلاميا يطبق الشريعة الإسلامية. و كثير من مواده أختلف معها و على رأسها مواد العسكر. و لكنى أرى أنه يمكن الضغط على البرلمان لتعديل المواد المختلف عليها, أما التصويت بلا فكان سيدخلنا فى حلقة مفرغة, إذ ستنتخب الجماهير جمعية تأسيسية جديدة تأتى مجددا بأغلبية إسلامية فتحتج القوى المدنية و تنزل الشارع من جديد ويعاد إنتاج الصراع ربما بشكل أكثر عنفا!
كما أنى أدرك أنه لا يوجد شيئا يسمى التوافق فى السياسة, فلا توجد دولة قامت بالتوافق و لا دستور أقر بالتوافق إلا فى حالات نادرة للغاية.
هذا الدستور نتاج ل(محاولة) الإستفاقة من الغفوة العقلية و التحرر من الإستعمار العقلى الذان خلفهما النظام السابق, نتاج للمحاولة و لكنه ليس نتاج للإستفاقة و لا للتحرر لأنهما لم يحدثا بعد, و عندما ننجح بعون الله فى الوصول إلى تلك المرحلة فستكون النتائج مختلفة بالكلية! هذا إذاً طريقنا, العمل على (تثوير) العقول و تحريرها من رواسب التنشئة و قيود التبعية.
أما عن المشهد الحالى فإنى أرفض بأى شكل من الأشكال الإعتراض على نتيجة الإستفتاء - إلا فى حالة ثبوت حالات تزوير منهجى يؤثر على النتيجة العامة - فهذا كما أشرت سيجرفنا إلى خوض مباريات بلا حكام أو سيرجعنا إلى غياهيب الحكم العسكرى مرة أخرى . . . بالإعتراض على نتائج الإستفتاء نكون قد إنحزنا مجددا إلى العبث الذى ننحاز إليه منذ عامان !!
و يصل العبث إلى ذؤابته بإعلان تحالف القوى العلمانية مع قوى النظام السابق و رجال أعماله عدم قبوله بالنتيجة التى أسفرت عنها العملية الديموقراطية على الرغم من مشاركته فى العملية من بدايتها, و هو بذلك يشبه فريق كرة القدم الذى يخوض مباراة ما و يرتضى لإدارتها حكما بعينه - و هو فى حالتنا الصندوق - ثم يرفض الإعتراف بهزيمته و يتحجج بحجج واهية على غرار ظلم الحكم أو عدم ملائمة الجو أو سوء أرضية الملعب. و يظل هذا الفريق المهزوم يوهم نفسه بأن تلك هى أسباب الهزيمة لأنه لا يريد أن يدرك أو يقتنع أن منافسه يفوقه مهارة و خبرة فى هذا المضمار, و أن الإشكالية الحقيقية تكمن فيه ذاته; كحال القوى المدنية فى بلادنا التى لا تريد أن تدرك و تعترف بأنه لا يمكن بأى حال من الأحوال و تحت أى ظرف من الظروف أن تتساوى ثمار عمل عشرات السنين فى الشارع بين الجماهير مع ثمار عمل أشهر معدودة!
الشعب ارتضى أن يكون الصندوق هو الحكم فى تلك المبارة و هو لن يقبل أطروحة رفض نتائجه و الإنقلاب عليها لأنه يدرك خطورة إذكاء الفتنة مجددا. فالإعتراض على الحكم المرتضى مسبقا يعنى خوض الطرفان المتصارعان لمباريات بلا حكام, و هى حتميا مباريات بلا فائز, سيهلك فيها الطرفان كليهما. أو أن يكون الجيش هو الحكم (غير العادل على الإطلاق) لفترة زمنية لا يعلم مداها إلى الله !!
فى أعقاب إعلان نتيجة المرحلة الأولى من الإستفتاء على الدستور و التى جائت ب(57% نعم مقابل 43% لا) تفاخرت العديد من القوى الثورية بنسبة من رفضوا الدستور معتبرين رفضهم برهانا على ثوريتهم و إنحيازهم لمعسكر الثورة, بل و عد البعض الرفض برهانا على نفور الجماهير من المشروع الإخوانى برمته و ظن كل فصيل (حيث تتكون المعارضة من عدة فصائل غير متجانسة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار) أن الرافضين إنحازوا لمشروعه. و فى هذه الرؤى مغالطات عدة, فأولا واهم هو ذلك الذى يظن أن كل الرافضين منحازين لمعسكر الثورة, أو أن الرفض برهانا على الإيمان بالثورة و أهدافها, فلا يمكن أن نغفل عن كون نسبة كبيرة من الرافضين هم ممن أعطوا أصواتهم للمجرم أحمد شفيق فى إنتخابات الرئاسة 2012 , بالإضافة إلى كثير من الأقباط الذين صوتوا بناءا على توجيهات من الكنيسة, و لكننا فى الوقت ذاته لا يجب أن ننكر أن عددا ليس بالقليل ممن صوتوا بعدم موافقتهم على مشروع الدستور هم ممن أعطوا صوتهم لمحمد مرسى فى إنتخابات الرئاسة و لكن أعيتهم و خيبت آمالهم تصرفات الرئيس محمد مرسى وجماعته فى الأشهر الماضية و هى تصرفات كثير منها طفولى غير مقبول, بالإضافة إلى بعض من يرضون عن مشروع الدستور ولا تزعجهم مواد العسكر فيه ولا غيرها و لكنهم تصيبهم حالة من الهلع لدى سماع سيرة (التيار الإسلامى), هم ليسوا بمعارضين للمرجعية الإسلامية أو للهوية الإسلامية أو بمعنى أدق لتصورهم هم عن تلك المرجعية, و لكن مخيلاتهم تصور لهم مشاهدا لرجال مقطوعى الأيدى و آخرين مبتورى الأيدى و الأرجل تغص بهم الشوارع, و كأن البلد ليس فيها إلا السارقين و المفسدين!! و يعضد الإعلام على تنمية تلك التصورات فى أدمغتهم عن طريق تصوير كتاب الشريعة الكبير على أنه ليس فيه إلا صفحة الحدود وحدها!
لا أريد أن يفهم من كلامى تنزيها لفريق (نعم) بجملته, أو أن جميع من صوتوا بالموافقة ثوارا أو منحازين لمعسكر الثورة, ولا يمكن إنكار أن جمعا كبيرا منهم صوت بالموافقة واهما أنه يختار حكم الشريعة الإسلامية أو أنه يصوت بالموافقة على ((أفضل دساتير العالم)) - مثلما قيل - دون أن يقرأ من ذلك الدستور حرفا, و الكثيرون صوتوا بناءا على توجيهات فوقية مثلهم مثل من صوت بناءا على توجيهات فوقية من الأقباط.
و بهذا يتضح لنا أن الكثيرين سواء فى معسكر (نعم) أو معسكر (لا) لم يكونوا يصوتون على الدستور و مواده بل كانوا يصوتون على (القوى الإسلامية) قبولا أو رفضا . . و التعميم مرفوض بالطبع فهناك من قرأ الدستور و إستحسن مواده فوافق عليه, و هناك من سائته المواد فرفضه, و لكنى أحسب أن هؤلاء يمثلون الجانب الأقل من عدد من صوتوا . . . و الله أعلم.
الدستور ليس بداية مسار التغيير كما أنه ليس نهايته, فالمسار ما زال طويلا, و إعتمادنا فى التغيير لا يمكن أن يكون على الدستور أو أى من آليات التغيير من الأعلى, فالقاعدة الثابتة فى تاريخ النشاط الإنسانى أن التغيير الحقيقى يبدأ من الأسفل, من حيث تكمن الإشكالية. و أى تغيير يتم فرضه من الأعلى هو مجرد غطاء ظاهرى سطحى زائف للباطن الذى لم يتغير.
و عندما أقول أنى لو كان لى حق التصويت لقلت (نعم) فهذا ليس من منطلق كونه دستور الثورة أو دستور إسلامى, فأنا أوقن أن هذا الدستور ليس بالدستور المأمول الذى يعبر عن أحلام الملايين الذين خرجوا يطالبون بالحرية و العدالة و الكرامة, و لست أرى أن هذا الدستور دستورا إسلاميا يطبق الشريعة الإسلامية. و كثير من مواده أختلف معها و على رأسها مواد العسكر. و لكنى أرى أنه يمكن الضغط على البرلمان لتعديل المواد المختلف عليها, أما التصويت بلا فكان سيدخلنا فى حلقة مفرغة, إذ ستنتخب الجماهير جمعية تأسيسية جديدة تأتى مجددا بأغلبية إسلامية فتحتج القوى المدنية و تنزل الشارع من جديد ويعاد إنتاج الصراع ربما بشكل أكثر عنفا!
كما أنى أدرك أنه لا يوجد شيئا يسمى التوافق فى السياسة, فلا توجد دولة قامت بالتوافق و لا دستور أقر بالتوافق إلا فى حالات نادرة للغاية.
هذا الدستور نتاج ل(محاولة) الإستفاقة من الغفوة العقلية و التحرر من الإستعمار العقلى الذان خلفهما النظام السابق, نتاج للمحاولة و لكنه ليس نتاج للإستفاقة و لا للتحرر لأنهما لم يحدثا بعد, و عندما ننجح بعون الله فى الوصول إلى تلك المرحلة فستكون النتائج مختلفة بالكلية! هذا إذاً طريقنا, العمل على (تثوير) العقول و تحريرها من رواسب التنشئة و قيود التبعية.
أما عن المشهد الحالى فإنى أرفض بأى شكل من الأشكال الإعتراض على نتيجة الإستفتاء - إلا فى حالة ثبوت حالات تزوير منهجى يؤثر على النتيجة العامة - فهذا كما أشرت سيجرفنا إلى خوض مباريات بلا حكام أو سيرجعنا إلى غياهيب الحكم العسكرى مرة أخرى . . . بالإعتراض على نتائج الإستفتاء نكون قد إنحزنا مجددا إلى العبث الذى ننحاز إليه منذ عامان !!