الجمعة، 18 مايو 2012

المقاطعة..و تطوير الخطاب الثورى

أيام قلائل تحول بيننا و بين الدخول فى مرحلة جديدة يعدها البعض المرحلة المرتقبة التى طال انتظارها, فبعد سنين من الاستعباد و الاستبداد سيصبح للمصريين حق إختيار من يحكمهم بصورة ديموقراطية نزيهة, يتصورون أنه بعد عقود من حكم العسكر و سيطرة طبقة رجال الأعمال و كبار الضباط على السلطة و الثروة, ستتحول البلاد فجأة-و ياللعجب-الى حكم رئيس مدنى منتخب فى خطوة يعدونها ذؤابة أهداف الثورة و أقصى أمانيها, و كأن النظام الراسخ المتمرس منذ عقود سيتخلى عن السلطة فجأة الى رئيس ينتخبه الشعب عبر صناديق الاقتراع.
قلت أن تلك الخطوة يعدها المؤمنون بها ذؤابة أهداف الثورة, و هذا يوضح التباين الشديد فى فهم مفهوم ((الثورة)); فالثورة تعنى لديهم محاولة اصلاح الوضع القائم دون المساس بقواعده خوفا عليه من التفكك و الانهيار, بينما تعنى الثورة لدينا-نحن الذين قررنا مقاطعة مسرحية الانتخابات الرئاسية-هدم الوضع القائم, تحطيم قواعده, اقتلاعه من جذوره,و بناء وضع جديد مختلف ظاهريا و جوهريا عن أسلافه.


و يحاول بعض ((الثوريين)) الذين قرروا المشاركة فى تلك المسرحية, يحاولون إختلاق مبررات لمشاركتهم, فيقولون ((سننتخب المرشح الثورى القادر على التصدى للعسكر)).
و تنشب الخلافات بينهم أثناء البحث عن الثورى المزعوم, و يخرج كل منهم بمرشح يدعى أنًه مرشح الثورة و أن أنداده من المرشحين هم عملاء الثورة المضادة, و تتصاعد حدة الصراعات بينهم, متغافلين جميعا فى خضم ما يخوضونه من معامع أن البحث عن مرشح يتبنى مطالب الثورة و يطرح برنامجا جذريا بين أولئك المرشحين الذين ارتضوا المشاركة فى انتخابات يحكمها العسكر, كالبحث عن قطة سوداء-لا وجود لها فى الواقع-داخل غرفة معتمة; فلو كان المرشح ثوريا بحق, لما ارتضى المشاركة فى تلك المهزلة.
و يصل الأمرببعض الانتهازيين الى المزايدة علينا و نعت المقاطعة بأنها جريمة وطنية, و كأن المشاركة  فى ترسيخ قواعد النظام و تثبيت أقدامه عملا وطنيا جليلا, بل ولعل المشاركون فيه يستحقون أوسمة وطنية رفيعة.


الوضع الراهن بما يحيط به من ضبابية يعزى الوصول إليه الى ضعف الخطاب الثورى, هذا الضعف و الخلل يعزى بدوره الى عاملين أساسيين. العامل الأول هو إقتصار الخطاب الثورى على فئة معينة من المثقفين, و العجز عن ايصاله الى الشارع, و هذا العامل يرتبط ارتباطا وثيقا بالعامل الثانى المتمثل فى العجز عن تطوير الخطاب الثورى, فالنظريات الثورية ليست ثوابت نخضع لها حلومنا, بل يجب العمل على تطويرها من جديد و بحثها بحثا موضوعيا, و تلك الرؤية الموضوعية لن تواتينا إلا إذا خلصنا أنفسنا من المسلمات و التحيزيت و الأفكار المسبقة, و جردنا أنفسنا من رواسب التنشئة و عوائق اللاوعى الفردى و الجماعى; لنصل الى ما نريد من رؤية موضوعية بعيدا عن ما هو ذاتى أو شخصى.


أثناء متابعتى للخطاب الثورى و تحليلى له, خالجتنى مسرحية أهل الكهف للمبدع توفيق الحكيم, ففى تلك المسرحية الرائعة يظهر توفيق الحكيم كيف مات أهل الكهف نتيجة لفشلهم فى الـاقلم مع الواقع بعد فترة طويلة من العزلة, هكذا حال بعض الخطاب الثورى, هكذا نجد بعض طارحيه منفصلين عن الواقع بشكل كبير.
فإما أن يعيدوا تطوير الخطاب الثورى بما يحمله من نظريات لجعله متأقلما متعايشا مع الواقع, و إما أن يكون مصير ذلك الخطاب أن يضمحل و يخبو نجمه فى مواجهة الخطاب الإخوانى الآخذ فى تطوير ذاته تطويرا موضوعيا.


الرئيس القادم أيا كان اسمه و أيا كانت توجهاته لن يكون سوى استبدال للواجهة الأمامية العسكرية بواجهة يغلب عليها الطابع المدنى, أما الحديث عن تسليم السلطة فهوحديث لا معنى و لا صحة ولا أساس له; فهل من الممكن أن يسلم العسكر قوتهم الى ذلك المنتخب؟؟هل من الممكن أن يسلم العسكر الجزء الهائل من الاقتصاد الذين يتحكمون به الى ذلك المنتخب؟؟
المشاركون لهم حق المشاركة دون تخوين و المقاطعون لهم حق المقاطهة دون نعتهم بالمجرمين, المشاركون لهم وجهة نظر نعدها خاطئة..و المقطعون لهم وجهة نظر يعدها المشاركون خاطئة. دورنا نحن المقاطعون أن نبرز خلال الأيام القليلة المتبقية الأسباب التى دعتنا الى ايثار المقاطعة.و العمل على كسب قطاع من الشارع الى صفوفنا, و العمل لن يتوقف فى خضم و بعد الانتخابات, فكما أشرت يجب اعمل على تطوير الخطاب الثورى بما يتماشى مع الواقع. و تحليله و نقده, للوصول الى خطاب ثورى قادر على الوصول الى الشارع.



هناك 4 تعليقات:

  1. طبعا مبدع كالعادة يا عمر :)) وتحليل منطقي جداااا لموضوع المقاطعة ونسيت تقول ان اصلا الرئيس مش عارف ايه صلاحياته او ايه هيا مهامه ...
    -----------------------------
    بالنسبة لموضوع انك تحاول تقنع الناس بالمقاطعة .. فالواحد صوته اتنبح وبرده مفيش فايدة خالص !!
    ماهو معلش يعني الناس لما تشوف الاشخاص اللي بتحسبهم مفكرين وكده أمثال ( انس حسن - بلال فضل - وائل غنيم .. الخ ) هيسمعو كلامهم هما ومش هيسمعو كلام غيرهم !!

    ردحذف
  2. تحية رفاقية :)
    مقال جمبل...و لكن،
    أينما تكون الجماهير..نكون...الجماهير قررت خوض المعركة الانتخابية -المسرحية- فأصبح من الواجب علينا الاشتباك مع الجماهير...متفق تماما معك ان التغيير لن يأتي الا من الجماهير و ليس من مؤسسة الرئاسة و لكن أحيانا لتدرك الجماهير الحل الثوري يجب ان تخوض العملية الاصلاحية العقيمة الهزلية الى نهايتها...

    ردحذف
  3. عرض رائع ، وأسلوب رشيق . أختلف مع قرار المقاطعة وأحترم من اتخذه . إليك رابط لمقال يعرض وجهة النظر الأخرى .
    أثق أن ثورة أنجبت "عمر و علي" لن تموت أبداً .

    على هشام : عن مقاطعة الانتخابات الرئاسية : http://t.co/mDmXCL9A

    ردحذف