الاثنين، 28 مايو 2012

يسقط الرئيس القادم

تتصاعد الآن نبرة جدلية فى أوساط الرأى العام المصرى, فالمواطنون مشتتو الأّذهان حيارى بعد أن جائت نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية صادمة لقطاع عريض من الشعب المصرى آثر ألا يكون صوته لمرشحًى الثورة المضادة, و قطاع أعرض آثر ألًا يدلى بصوته من الأساس فى تلك المسرحية الهزلية التى استغلها جيش الثورة المضادة من رجال أعمال الحزب الوطنى بطريقة ممنهجة مدروسة أنفق عليها جيش الثورة المضادة بسخاء لكى يحافظ على امتيازاته و مكاسابه.


قطاع عريض من الشعب المصرى حائرو مشتت , و كأنه يضرب فى الفيافى هائما, أيمتنع عن المشاركة فى تلك المسرحية الهزلية المقصود منها اجهاض الثورة تماما و نهائيا, أم يذهب ليدلى بصوته لأحد مرشحًى الثورة المضادة فيعطيها بالتالى الشرعية الشعبية و القوة اللازمة للقضاء على الثورة. وبافتراض أنه آثر الذهاب تحت دعاوى أن المقاطعة فعل سلبى ( و هى دعاوى تعبر عن سذاجة شديدة و ضيق أفق لا متناهى) فلمن يعطى صوته؟؟! من يختار من بين قطبى الثورة المضادة؟؟!


أيختار الجنرال العسكرى أحمد شفيق رئيس وزراء مصر إبان موقعة الجمل الدموية الذى خلعته الثورة من رئاسة الوزراء فى مارس 2011, أحمد شفيق الجنرال الذى ما لبث يتوعد الثوار بالتنكيل بهم و بقمعم بأبشع أساليب القمع حال فوزه برئاسة الجمهورية بل و وصلت الصفاقة به الى أن أعلن بكل سفور عن أن الإعدام و القوة المفرطة سيكونا آلياته من أجل استعادة الأمن خلال الشهر الأول من حكمه..ياللوقاحة!!

أم يهرب من دبابات الفاشية العسكرية و مدافعها ليرتمى فى أحضان فاشية أخرى مقنعة هى فاشية الإخوان المسلمين مسلما إياها كل المفاتيح لتسيطر بشكل كلى على مقاليد الحكم فى البلاد ومعطيا إياها الفرصة لبناء سلطتها المطلقة, سلطة مرشدها الأعلى.


بعض الناس من الذين قرروا دعم أحمد شفيق, يقدمون الجنرال المخلوع من رئاسة الوزراء بصفته مرشحا علمانيا سيعمل على الحد من نفوذ التيار الإسلامى و هو أيضا يقدم نفسه على هذا النحو, ومن  جهة أخرى يحاول البعض تبرير إختيارهم لشفيق بقولهم أنه مرشح منفرد مستقل نقدر على عزله و إسقاطه إن أردنا فى حين أن الإخوان منظومة قوية يصعب إزاحتها عن سدة الحكم إن وصلت. 
و هذان الطرحان يشوبها خلل كبير, فعن أى علمانية يتحدث شفيق و هو يعلن بصراحة أن تشكيل الحكومة سيكون من نصيب حزب الأغلبية (الحرية و العدالة-الإخوان المسلمون)هذا بخصوص الطرح الأول الذى ضحده شفيق بنفسه, أما عن الطرح الثانى فإنه طرح ساذج لا يخرج إلا من عقلية ضيقة الأفق و هى عقلية اولئك الذين يدعمون الجنرال.


و على الجانب الآخر يطرح الدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية و العدالة نفسه كمرشح الثورة بل ويذهب الى أبعد من ذلك معلنا أنَه ليس مرشح جماعة الإخوان المسلمين و إنما هو مرشح المصريين بكل طوائفهم (قول و المصحف!!) أى أن الرجل سينسلخ عن تاريخه فجأة!!


كل من المرشحين له جيشه الذى يقف خلفه, فشفيق لديه جيشه من كبار رجال الأعمال و تنضم إليهم البرجوازية الصغيرة من أصحاب متاجر صغيرة و عاملين بالسياحة و الذين يرون فى الإرتماء فى أحضان الفاشية ملاذا أخيرا لهم. 
وعلى الجانب الآخر يتكون جيش مرسى من تنظيم قوى للجماعة قادرعلى الحشد على الرغم من إنخفاض درجة قبول الشارع للجماهة بعد فشلها فى تقديم إصلاحات عبر البرلمان.


فلنترك الجيشين فى صراعهما السلطوى الذى لا يعير مصالح الجماهير إهتماما, فلنتركهما فى تصارعهم و تكالبهم على السلطة و لنعمل نحن على الانتصار فى معركتنا الأساسية..مع الجماهير..فى الشارع.

الجمعة، 18 مايو 2012

المقاطعة..و تطوير الخطاب الثورى

أيام قلائل تحول بيننا و بين الدخول فى مرحلة جديدة يعدها البعض المرحلة المرتقبة التى طال انتظارها, فبعد سنين من الاستعباد و الاستبداد سيصبح للمصريين حق إختيار من يحكمهم بصورة ديموقراطية نزيهة, يتصورون أنه بعد عقود من حكم العسكر و سيطرة طبقة رجال الأعمال و كبار الضباط على السلطة و الثروة, ستتحول البلاد فجأة-و ياللعجب-الى حكم رئيس مدنى منتخب فى خطوة يعدونها ذؤابة أهداف الثورة و أقصى أمانيها, و كأن النظام الراسخ المتمرس منذ عقود سيتخلى عن السلطة فجأة الى رئيس ينتخبه الشعب عبر صناديق الاقتراع.
قلت أن تلك الخطوة يعدها المؤمنون بها ذؤابة أهداف الثورة, و هذا يوضح التباين الشديد فى فهم مفهوم ((الثورة)); فالثورة تعنى لديهم محاولة اصلاح الوضع القائم دون المساس بقواعده خوفا عليه من التفكك و الانهيار, بينما تعنى الثورة لدينا-نحن الذين قررنا مقاطعة مسرحية الانتخابات الرئاسية-هدم الوضع القائم, تحطيم قواعده, اقتلاعه من جذوره,و بناء وضع جديد مختلف ظاهريا و جوهريا عن أسلافه.


و يحاول بعض ((الثوريين)) الذين قرروا المشاركة فى تلك المسرحية, يحاولون إختلاق مبررات لمشاركتهم, فيقولون ((سننتخب المرشح الثورى القادر على التصدى للعسكر)).
و تنشب الخلافات بينهم أثناء البحث عن الثورى المزعوم, و يخرج كل منهم بمرشح يدعى أنًه مرشح الثورة و أن أنداده من المرشحين هم عملاء الثورة المضادة, و تتصاعد حدة الصراعات بينهم, متغافلين جميعا فى خضم ما يخوضونه من معامع أن البحث عن مرشح يتبنى مطالب الثورة و يطرح برنامجا جذريا بين أولئك المرشحين الذين ارتضوا المشاركة فى انتخابات يحكمها العسكر, كالبحث عن قطة سوداء-لا وجود لها فى الواقع-داخل غرفة معتمة; فلو كان المرشح ثوريا بحق, لما ارتضى المشاركة فى تلك المهزلة.
و يصل الأمرببعض الانتهازيين الى المزايدة علينا و نعت المقاطعة بأنها جريمة وطنية, و كأن المشاركة  فى ترسيخ قواعد النظام و تثبيت أقدامه عملا وطنيا جليلا, بل ولعل المشاركون فيه يستحقون أوسمة وطنية رفيعة.


الوضع الراهن بما يحيط به من ضبابية يعزى الوصول إليه الى ضعف الخطاب الثورى, هذا الضعف و الخلل يعزى بدوره الى عاملين أساسيين. العامل الأول هو إقتصار الخطاب الثورى على فئة معينة من المثقفين, و العجز عن ايصاله الى الشارع, و هذا العامل يرتبط ارتباطا وثيقا بالعامل الثانى المتمثل فى العجز عن تطوير الخطاب الثورى, فالنظريات الثورية ليست ثوابت نخضع لها حلومنا, بل يجب العمل على تطويرها من جديد و بحثها بحثا موضوعيا, و تلك الرؤية الموضوعية لن تواتينا إلا إذا خلصنا أنفسنا من المسلمات و التحيزيت و الأفكار المسبقة, و جردنا أنفسنا من رواسب التنشئة و عوائق اللاوعى الفردى و الجماعى; لنصل الى ما نريد من رؤية موضوعية بعيدا عن ما هو ذاتى أو شخصى.


أثناء متابعتى للخطاب الثورى و تحليلى له, خالجتنى مسرحية أهل الكهف للمبدع توفيق الحكيم, ففى تلك المسرحية الرائعة يظهر توفيق الحكيم كيف مات أهل الكهف نتيجة لفشلهم فى الـاقلم مع الواقع بعد فترة طويلة من العزلة, هكذا حال بعض الخطاب الثورى, هكذا نجد بعض طارحيه منفصلين عن الواقع بشكل كبير.
فإما أن يعيدوا تطوير الخطاب الثورى بما يحمله من نظريات لجعله متأقلما متعايشا مع الواقع, و إما أن يكون مصير ذلك الخطاب أن يضمحل و يخبو نجمه فى مواجهة الخطاب الإخوانى الآخذ فى تطوير ذاته تطويرا موضوعيا.


الرئيس القادم أيا كان اسمه و أيا كانت توجهاته لن يكون سوى استبدال للواجهة الأمامية العسكرية بواجهة يغلب عليها الطابع المدنى, أما الحديث عن تسليم السلطة فهوحديث لا معنى و لا صحة ولا أساس له; فهل من الممكن أن يسلم العسكر قوتهم الى ذلك المنتخب؟؟هل من الممكن أن يسلم العسكر الجزء الهائل من الاقتصاد الذين يتحكمون به الى ذلك المنتخب؟؟
المشاركون لهم حق المشاركة دون تخوين و المقاطعون لهم حق المقاطهة دون نعتهم بالمجرمين, المشاركون لهم وجهة نظر نعدها خاطئة..و المقطعون لهم وجهة نظر يعدها المشاركون خاطئة. دورنا نحن المقاطعون أن نبرز خلال الأيام القليلة المتبقية الأسباب التى دعتنا الى ايثار المقاطعة.و العمل على كسب قطاع من الشارع الى صفوفنا, و العمل لن يتوقف فى خضم و بعد الانتخابات, فكما أشرت يجب اعمل على تطوير الخطاب الثورى بما يتماشى مع الواقع. و تحليله و نقده, للوصول الى خطاب ثورى قادر على الوصول الى الشارع.