الخميس، 28 مارس 2013

زهرة

وقف شامخا فى وسط الجزيرة الكبيرة ..

ينظر لكل شئ من عل , فكل شئ هنا دونه .. قوة و حجما و عظمة و جلالا و شموخا و صمودا ..

كم من عابر أو مدبر معد حاولوا دك صخوره أو هدمه أو شقه ..
إلا أن كبرياؤه  كان يأبى الإنبطاح و الهزيمة .. و ينظر من عل

جاؤوه جماعات و فرادى .. و أعدوا ما استطاعوا .. إلا أنه ظل يجندلهم و يصرعهم حتى لم يذر منهم أحدا .. يجيئ المزيد .. فيستقبلهم مقهقها .. و يواصل نسفهم

فى الماضى كان يخشاهم .. أجل .. كان يرتجف لدى رؤية جموعهم الغفيرة ..
أما الآن , فما لهم من ولى ولا ناصر و ما يجرؤ أحد على إيقافه عن البطش بهم ..

ظل هكذا .. يقهقه .. بينما يحاولون هم محاولات تبوء بالفشل المرير ..

وذات ليلة .. وجدوه متصدعا .. و فى الوسط كانت تقف زهرة أريجة فائحة الشذى ..
ترفع رأسها إلى السماء مبتسمة .. بينما تتساقط عن جبينها قطرات الندى ..

الاثنين، 25 مارس 2013

فى السماء


تبقى فى محفظته الجلدية التى ما زالت لمعتها بادية على الرغم من تهالكها بضع جنيهات بعدما دفعا إيجار الشقة الحجرة و صالة .. و عربون كنبة و كرسيين.

فنظر لها مبتسما وقال : و الآن ماذا تودين؟
ابتسمت بدورها و نظرت حدو البرج الشاهق .. : لطالما رغبت أن ألقى نظرة من فوقه.

نظر نحوه لهنيهة ثم قال : هيا إذن نحقق رغبتك.

و مشيا بخطوات سريعة إلى البرج المطل على المدينة بأكملها

‏***

-‏- هيا نهبط.

لم يرد.

-- أقول لك هيا نهبط .. عمر (و تطوح يدها أمامه منبهة)

لم يرد. كان متحجرا و عيناه مثبتتان على المشهد المبهر من أعلى البرج.

-‏- عمر!

التفت إليها فى هدوء قائلا : ماذا سيحدث لو قفزت من هنا؟

قطبت حاجبيها و لكنه واصل : لن يحدث شئ .. أليس كذلك ؟ .. ألن تشرق الشمس من المشرق كما هى ؟ و لن يخبو ضوء القمر .. و أولئك الورى ألن تستمر حياتهم كما هى؟ لن يحدث أى شئ.

-‏- بلى .. لن يخبو الضوء .. سأخبو أنا.

-‏- و ما المشكلة .. إن لحقتينى .. ستظل الشمس تشرق و سيظل القمر ينثر ضوءه و ستستمر حياة الورى كما هى.

فضحكت و ضحك ..

الأربعاء، 20 مارس 2013

غياب


ﻏﺎﻡ ﺍﻟﺠﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺀ أديم السماء .. ﻭ ﺗﺼﺎﻋﺪﺕ ﺍﻷﺩﺧﻨﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﺣﺘﻰ ﺣﺠﺒﺖ ﻋﻨﺎ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ

 ﻛﻞ ﺷﺊ ﺃﺑﻴﺾ ..

 ﺗﺼﺎﻋﺪﺕ ﺃﺻﻮﺍﺕ ﻗﺮﻉ ﺍﻟﻜﺆﻭﺱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﺎﺿﺪ ﺍﻟﺮﺧﺎﻣﻴﺔ .. ﺃﻭ ﺭﺑﻤﺎ ﺧﺸﺒﻴﺔ .. ﻭ ﺳﻜﺐ ﺍﻟﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ جعلنا ننسى ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻰ ﺍﻟﻤﺄﺳاﻮﻯ .. ﺃﻭ ﻟﻌﻠﻪ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻌﻴﻪ ﻭ ﻧﺪﺭﻛﻪ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ ﻋﻨﻪ .. ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻣﺒﻬﻤﺔ .. ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻀﺤﻰ ﺃﻗﻞ ﻣﺄﺳﺎﻭﻳﺔ .. ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ﺭﺣﻤﺔ ..

ﻭ ﺳﺒﺤﺖ .. ﻫﻤﺖ ﻓﻰ ﺗﻠﻚ البيداء البيضاء .. ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ .. ﻭ ﺧﻠﺖ ﺍﻟﻮﻫﻢ .. ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻰ .. ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻮﻫﻤﻰ .. ﻟﺴﺖ ﺃﺩﺭﻯ .. رأيت كل شئ لكنى لم أبصر شيئا ..

ﺭﺃﻳﺘﻨﻰ ﻣﻀﻐﺔ ﻻ ﺗﺪﺭﻙ ﻣﺎ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ .. ﺛﻢ ﺭﺍﻛﻀﺎ ﻓﻰ ﻓﻨﺎﺀ ﻓﺴﻴﺢ ﺩﻭﻧﻤﺎ ﺇﻛﺘﺮﺍﺙ ﺑﺸﺊ ﻛﺄﻧﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﺃﺻﺒﻮ ..

ﺛﻢ ﺿﺎﺣﻜﺎ .. ﺿﺤﻜﺔ ﺳﺎﺫﺟﺔ ﺑﺮﻳﺌﺔ ﻻ ﺗﺪﺭﻙ ﻣﺎ ﻳﺤﺎﻭﻃﻬﺎ .. ﺛﻢ ﺑﺎﻛﻴﺎ ﺑﻴﻦ ﺃﺣﻀﺎﻥ ﻛﻬﻞ ﻣﺸﻴﺐ ﻓﺎﺭﻗﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺭﺟﻌﺔ ..

ﺛﻢ ﺭﺃﻳﺘﻨﻰ ﻓﻰ ﻛﻨﻒ ﻓﻨﺎﺀ ﺃﻓﺴﺢ ﻣﻦ ﻓﻨﺎﺋﻨﺎ ﺍﻷﻭﻝ ﺗﺘﻮﺳﻄﻪ ﺳﺎﻋﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺗﻌﻠﻦ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺩﻗﺔ ﻋﻘﺮﺏ - ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺴﺎﻡ - ﻋﻦ ﺇﻗﺘﺮﺍﺏ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ .. ﺃﻭ ﻟﻌﻠﻬﺎ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ..

ﺛﻢ ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻰ ﻭﺛﻴﺮ ﻭ ﻣﻜﻮﻣﺔ ﺃﻣﺎﻣﻰ ﺛﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﺭﺍﻕ .. ﻣﻠﻘﺎﺓ ﻓﻰ ﻏﻴﺮ ﺇﻛﺘﺮﺍﺙ .. ﻓﻰ ﺇﻧﺘﻈﺎﺭ ﻣﻦ ﻳﺤﻨﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ .. ﻓﻰ ﺇﻧﺘﻈﺎﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻄﻲ ﺍﻟﺴﺨﻲ ﺍﻟﺬﻯ ﻳﻜﻠﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻨﺎﺀ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ..

ﺛﻢ ﺭﺃﻳﺘﻨﻰ ﻛﻬﻼ ﻣﺸﻴﺒﺎ ﺭﺍﻗﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﺫﺍﺕ ﻣﺎ ﺭﻗﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻜﻬﻞ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻗﺒﻞ ﺭﺣﻴﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺰﻋﻢ ﺃﻧﻪ ﻣﻌﻠﻮﻣ .. ﻭ ﺃﺯﻋﻢ ﺃﻧﻪ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻝ ! ﻫﻮ ﺍﻵﻥ ﻗﺪ ﺗﻴﻘﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ .. ﺃﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﻤﺎﺯﺍﻟﺖ ﺩﻭﺩﺓ ﺍﻟﺸﻚ ﺗﻨﻬﺶ ﻟﺤﻤﻰ..
رأيت كل شئ لكنى لم أبصر شيئا ..

ﻭ ﻓﺠﺄﺓ .. ﻏﺎﺏ ﻛﻞ ﺷﺊ .. ﻏﺎﺏ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﺍﻟﻔﺴﻴﺢ ﻭ ﺗﺒﺨﺮﺕ ﺍﻟﺮﻛﻀﺔ ﻭ ﺍﻟﻀﺤﻜﺔ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺩﺧﻨﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺍﻟﻤﻘﻮﺿﺔ ..

 ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻭ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻷﺷﻴﺐ ﻳﻐﻴﺒﺎﻥ ﻓﻰ ﻓﻀﺎﺀ ﺍﻟﺪﺧﺎﻥ ..
ﻭ ﻏﺎﺑﺖ ﺍﻟﻜﺆﻭﺱ ﻭ ﺍﻟﺴﻮﺍﺋﻞ ..
ﻭ ﻏﺎﺏ ﺍﻟﺪﺧﺎﻥ .. ﻭ ﻟﻢ يغب.

الأحد، 17 مارس 2013

لقاء


(1)

كانت عقارب الساعة المعلقة على الحائط العارى المقابل لباب غرفته بجوار صورة كبيرة للمناضل تشى جيفارا تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل عندما كان هو متوضعا على الأريكة البالية التى وعدته أمه بتنجيدها مرارا دون أن تفى بوعدها .. – و على الرغم من توفر المال إلا أنه أخذ يتناسى كونها بالية - و بيده رواية متهالكة الغلاف لنجيب محفوظ كان قد استعارها من زميله بمكتب المقاولات الذى وفق للعمل به فور تخرجه هذا العام، عندما سمع رنين الهاتف يخترق حاجز السكون الذى أضواه مع الليل الساج .. فهرول إلى الهاتف قبل أن يوقظ ضجيجه النمطى المتصل النيام.
‏- ألو .. من؟
جائه الصوت على الفور هادئا عذبا ملائكيا كأنما يتنزل من على.
‏- هشام؟
‏- أجل.
‏- آسفة جدا لإزعاجك فى هذا الوقت المتأخر .. أنا لقاء زميلتك بالمكتب.
‏- أوه ! آسف يا لقاء إن صوتك مختلف تماما بالهاتف لذا لم أعرفه. و لكن من أين لكى برقم المنزل؟
‏- علمت من زملائنا أنك مريض و أخذت الرقم لأطمئن عليك.
‏- أنا جد ممتن لإهتمامك .. ألم ألم بى فألزمنى طريحا للفراش .. و يبدو أن الضيف ثقيل يؤثر الإطالة.
ضحكت لقاء قائلة : ستتعافى عاجلا بإذن الله .. و تعود إلى كرسيك الخالى بالمكتب. أكرر أسفى لإتصالى المتأخر. إلى اللقاء.
‏- إلى اللقاء.

(2)

فى اليوم التالى عندما دقت عقارب الساعة مشيرة إلى مضى ساعة على إنتصاف الليل .. رن جرس الهاتف مجددا .. و لكن هشام فى هذه المرة كان جالسا إلى جواره .. فقد كان يتوقع مثل هذا الإتصال .. أو ربما كان يهفو إليه فجعله هذا ينتظر بجوار الهاتف فى شغف!
جائه صوتها العذب كأنما هو مقطتف من سيمفونية أبدعها سيد أساتذة الموسيقى
‏- ألو .. هشام؟
‏- كيف حالك يا لقاء؟
‏- بخير. و أنت كيف أصبحت اليوم؟
‏- أفضل بكثير من أمس .. ربما آتى للعمل غدا.
‏- رائع! و لكن لا تضغط على نفسك .. إن كنت تشعر ولو بقدر ضئيل من الألم فلا تحمل نفسك على المجئ فيزداد الألم.
‏- لا تقلقى .. لن أخرج من المنزل إلا عندما يتم شفائى بالكامل.

و أحس أن الحديث بهذا يؤول إلى نهايته .. فأراد أن يقول أى شئ يمد به مدة الحديث.
و لكنه لم يدر ما يقول ..
فجاءه صوتها
‏- حسنا دمت بود.
‏- و أنتى أيضا.

(3)

فى ذلك اليوم استقيظ مبكرا ، نشيطا متفائلا على غير العادة ، كأنما أشرقت روحه مع إشراقة الشمس. إرتدى حلة أنيقة و تعطر من تلك الزجاجة الثمينة المحفوظة بالدولاب الخشبى العتيق. و رشف رشفتين من كوب الشاى بالحليب ثم هبط مسرعا لكى لا يتأخر .. إنه فى هذا اليوم دونا عن سائر الأيام ينبغى ألا يتأخر .. إنه اليوم سيلقاها بعد مضى أسابيع مذ لزم الفراش يسمع صوتها كل يوم .. كان يشتهيها إشتهاء عاجزا .. إلا أنه عفيفا.
عندما خرج من بوابة العمارة الحديدية وجد أرض الشارع مغطاه بالوحل .. فخشى أن تتسخ حلته الأنيقة .. و حارب حربا ضروس ليتفادى برك الوحل السابحة على سطح الأسفلت .. ثم خرج إلى الشارع الرئيسي و طال إنتظاره للميكروباص الذى كان يستقله يوميا إلى المكتب قبل أن يلزمه ألمه الفراش. كان يريد أن يصل مبكرا تحت أى ظرف فقرر أن يركب سيارة أجرة (تاكسى) و يتركها على الله .. على الرغم من البون الشاسع فى الثمن بين الوسيلتين .. إلا أن اليوم يوما مختلفا تماما .. لا ضير من التضحية ببضع جنيهات.

***
ما أن دلف إلى المكتب حتى إندفع الزملاء نحوه كأنما انفجرت ماسورة و تدفقوا منها .. حاوطوه مهنئين  حامدين الله على سلامته .. ثم رأاها .. كانت جالسة على كرسيها فى المكتب المجاور لمكتبه.. بعينيها الدائرتين و أنفها المنمنم و شعرها الأسود الداكن المنسدل على كتفيها .. تقدم منها
-         هشام !! حمدا لله على سلامتك , كيف حالك؟
-         بخير يا لقاء .. كيف حالك؟
-         الحمد لله .. علمت من الزملاء أنك قادم منذ ربع ساعة فقط .. لكنى لم أصدق.
فضحك قائلا : ها أنا ذا أمامك
-         سعيدة لرؤيتك ..
-         و أنا أيضا
لم يدرى ماذا يقول .. كان أريد أن يطيل الحديث و لكنه لم يجد ما يقوله كالعادة .. فاتخذ موضعه على الكرسى خلف المكتب المجاور.

(4)

كان منهمكا فى بعض الملفات ..
اجتثه صوت رنين الهاتف من تركيزه ..
‏- ألو .. كيف حالك يا لقاء؟
‏- كيف حالك يا هشام؟
‏- لماذا لم تأتى اليوم إلى المكتب؟
‏- أى مكتب؟
‏- المكتب يا لقاء ! المكتب الذى نعمل به ‏
‏- واضح أنك مرهق قليلا.
لا تنس أن تتبضع لنا قبل مجيئك .. فحماتى قد تأتى اليوم لتمكث معنا بضع أيام.
-         أمى؟ لم تقل لى؟
-         بل قالت لك بالأمس.

أوما برأسه متذكرا و قال : أجل أجل .. لقد نسيت .. حسنا .. سأجئ بالأولاد من المدرسة ثم أمر عليها.

ثم وضع السماعة و أرخى رأسه على الكرسى الوثير.







الخميس، 14 مارس 2013

الفم الأيسر



هذه القصة مشتركة كتبها : محمد عصام عبدالفتاح و عمر سليم

***

لم تكن كندوة عادية أو مناظرة بي اثنين من كبار علماء الأنثروبيولجيا يتصايحون فى عناد من أجل أن يثبت كلاً منهما خطأ الأخر قبل إثبات صحة موقفه .. ولم يكن أيضاً لها طابع مناقشة رسائل الدكتوراه فبرغم حداثة سن (يوسف شريف) إلا أنه لم يكن مستسلماً أو حتى مراعياً لفارق الخبرة الأكاديمية المهول لصالح الأستاذ (مازن عبد الخالق) بل بدا مشاكساً منازعاً عنيداً للغاية.

الندوة التى أقيمت بجامعة (س) فى إحدى الدول العربية تحت رعاية السيد يحيى كشك محافظ أسيوط بدأت فى تمام الثامنة مساءاً بقراءة بضعة أسطر من البيان الشيوعى تلاه كلمة للأستاذ (صديق التونى) الباحث فى أصل الأنواع والذى اضطلع بقيادة تلك المناظرة الساخنة للغاية.

فما بين الداروينة والشيوعية والماركسية والأناركية دارت تلك المناظرة .. خرجت أعن هدفها قليلاً من أجل المزيد من الإيضاح أحياناً .. ومن أجل العناد وتسفيه الأخر فى أحيان أخرى.

أعزاؤنا قراء جريدة (الأسبوع) اليومية كما عودناكم دائماً على تسليط الضوء بمنتهى الحيادية على على كل الأحداث العلمية الهامة .. فإننا نعود هذه المرة وبقوة وننشر لكم النص الكامل لتلك المناظرة.

أعد هذا التقرير وأرسله : مراسلنا هناك (محمود الأناضولى)

***


- مؤخرا يا سيدى وفقت لقراءة البحث الخاص بتحليل و تجريد إشكالية ضمور الفم الأيسر. و لكى أكون صادقا .. فالبحث عميق للغاية و جد شيق .. لكنه من وجهة نظرى يغفل كثيرا من النقاط فى رسمه لخط سير التطور البيولوجى للإنسان ..فحضرتك أساسا تبنى نظريتك على وجود دور للدين فى البيولوجيا ... و هو أمر جد خطير .. فى الحقيقة .. إنك تعطى للعادات و التقاليد أكثر من حجمها و تقول أن الفم الأيسر ضمر نتاجا للدين بعد أن سادت القيم الدينية المجتمعات أصبح الأباء يربون أبنائهم على استخدام الفم الأيمن فى الأكل و الشرب و الصلاةو الكلام بينما الفم الأيسر كانت وظيفته الوحيدة البصق و السباب.. فقلت وظائفه فضمر!!.. أنت بزعمك هذا تقول أن الصفات المكتسبة تورث !! و هو أمر يتعارض أساسا مع المبدأ الماركسى القائل بمنع قضية التوريث !!

- يا الله
هذا الفسل صارت له وجهة مظر وصار يعدل علي ما أقول
أنا مازن عبد الخالق أستاذ الأنثروبيولوجي الذي لا يستشهد الا بما أقول … قد جاء اليوم الذي اقف فيه أناظر مدعِ مثلك
لكن علي أي حال قل يا علامة عصرك إن لم يكن الدين قد تدخل في سير عملية التطور فبم تفسر مثلاً ضمور الفم الأيسر
أستعيد الأمر للقدر وتهمل استخدام عقلك ?
أم ستقول هراءاً عن نبؤة كتبها هيرب الهيرباوي ذات يوم
التوريث لم تسقطه الماركسية بل اسقطته ارادة الشعب في ميدان التحرير

- يالك من متحذلق !
يا سيدى لابد من وضع أساس نبنى عليه .. أنت بنيت نظريتك على أسس واهية .. قضية أن نحلل الوقائع البيولوجية وفقا لشئ خارج عن الطبيعة هو جد هزل !!

المنطلق الذى يجب أن ننطلق منه هو أن التوريث مؤدلا محالة الاستعباد .. و تكديس رؤوس الاموال ... و سيادة طبقة على أخرى .. و هو فى الانثروبولجيا مؤد إلى سيادة نوع على آخر ...

و الانسان (بفطرته التى فطرتها الطبيعة) مدرك لهذه الحقيقة .. و لذا فقد حارب حربا ضروس توريث الصفات و العادات ... و سعى دائما إلى خلق عادات ملائمة لكل عصر !!
أضف إلى ذلك أن إنسان الشيوعية البدائية لم يكن يمتلك فميه (الأيمن و الأيسر) أصلا .. إنما كانا مشاعا لكل السكان

- نعم اتفق معك جداً ولكني اعارضك في كل ما تقول وسأبرهن لك

- هات ما عندك أيها العجوز المتحذلق .. هكذا أنتم دائما .. متمسكون بأفكار واهية
-  
- الدين يا صاحبي هو أصل كل شئ فانت كنت سترد الأمور لشئ سواه فأنت تهمل قدرة خارقة تقدر علي تغيير مجري التطور
انظر الي قوم عاد وانظر الي قوم نوح
قوم نوح إنهم نجوا في سفينة وكان فيهم من كل الاجناس والمخلوقات ولهذا صار الانسان انساناً كاملاً
لقد حاز الأفضل من كل جنس عن طريق التكاثر التفاعلي
أليس هذا هو الدين
أليس هذا هو الدين يامن أعمت بصائركم الدنيا وعجزتم عن رؤية الحق

- أرى أنك قد حولت النقاش إلى صراع عقدى لا مناظرة علمية !! و على أى .. إعرض نظريتك أمام الحضور و سأعرض .. ثم يحكمون.

- الأمر يا سيدي لا يتعلق بالعناد من أجل لاشئ بل هو من أجل اثبات أن مولانا داروين لم يمت من أجل لاشئ
فقد وقعت تحت يدي بالمصادفة ورقة داروينية نادرة بينما كنت أبحث في كيفية تضخم أثداء الأوز البرازيلي
الورقة كانت تحتوي علي ما سأقوله أمامكم الان مترجم ترجمة حرفية

- لحظة من فضلك ! إنك ترتكب خطأا فادحا يدل على إضمحلال الرؤية ! إن الأوز البرازيلى تضخمت أثداءه نتاجا لتتحر من العبودية للبط البرجوازى الحاكم .. إبان الثورة الأوزية البروليتارية !!

-
الورقة تقول:
  • بسم الله وصلاةً وسلاماً علي رسول الله وعلي صحابته الكرام وعلي التابعين البررة
    أما بعد فأنا داروين عبد الله الفقير أكتب إليكم الان ولا أعلم أستصل رسالتي إليكم أم لا فأنا تائه في صحراء البرازيل منذ يومين ولا اكل ولا أشرب إلي من لبن ثديي
    نعم لا تستنكرون ما أقول حين تقرؤه _لو وصل إليكم_ فالأنسان لديه ثدي قادر علي انتاج اللبن حين تقتضي الضرورة ذلك ولا يكون مفراً من الجوع أبداً
    • قرأت فى دورية نشرتها ناشيونال جيوجرافيك أبو ظبى أن
      كل من فُقدوا وجدوا في تحليل عظامهم آثار كالسيوم مقوي وهو ما لا يوجد إلا في لبن الرضاعة الطبيعية أو لبن بخيره وهو المر الذى استبعدته الدراسة
      أنا تقريباً الوحيد الذي سأنجو من الهلاك فقد حانت بشائر الفرج .. فها هى أصوات همهمات تقترب منى جداً حتى أكاد أميز من بينها أصوات تقول بلغبة غريبة "هذا الغريب .. اقتلوه" .. حمداً لله
      ان الوحدة زادتي تأملاً في جسدي الفقير
      فشعرت أن الدين الذي أخرجني من الهلكة له دور في تطوري وتطور كل بشري .. بالتأكيد له دور أكبر من طقوس جوفاء
      سأنظر الان إلي الأمر عملياً في موضوع فمي الفقير
      فمي هذا كان يوماً ما له صلحب يجاوره
      لكن تعاليم الدين السماوي قلصت من دور أي عضو أيسر حتي ضمرت تدريجياً
      لو عدت من الهلاك إلي مكتبي المكيف في الجامعة فسأكمل بحثي عن موضوع السرة اليسري و كيف يولد التوائم
      الله أعلم هل ما أقوله الآن علمى .. أم أننى تحت تاثير الجوع بدأت أهلفط فى الكلام
      أما الان فأنا مجهد جداً وسأرضع قليلاً من لبني ثم أخلد للنوم
      و الحمد لله

      (تصفيق حاد فى صفوف الحضور و بكاء .. ثم يقف أحدهم قائلا "أشهد أن لا إله إلا الله" )

      نظر يوسف إلى الدكتور مازن بسخرية ثم قال : الآن آن آنى لأبين وجهة نظرى

      إنه فى أثناء الشيوعية البدائية .. كانت الأفواه مشاعا لا يملكها أحد .. و عند إكتشاف الزراعة و بدء خلق الملكية الخاصة و نشوء الطبقات نتاجا لوجود فائض من المحصول يمكن تخزينه .. و نشوء ما يمكن أن نسميه بجهاز بدائى للدولة .. قامت تلك الدولة بتكميم الأفواه و محاصرتها ثم إدعت أنها ملكها لا ملك حامليها .. قامت ثورة عنيفة جرارة تطالب بحق ملكية كل فرد لفييه (الأيمن و الأيسر) ..و بعد سقوط عدد من الشهداء .. تمت التسوية .. بأن يكون الفم الأيمن ملكا للفرد و الأيسر ملكا لجهاز الدولة .. و تعرف هذه الثورة بالثورة الماوثوماركسية .. و قد كان الجبرتى أول من أشار إليها فى كتابه (The Mouthomarxist Revolution) و بمرور الوقت .. أضحت السلطة تتركز فى أيدى قلة من الإقطاعيين .. و بالتالى حق ملكية الأفواه اليسرى.. و كانت تخرج بين الحين و الآخر ثورة مطالبة بحق امتلاك الفمين .. و غالبا ما كانت تخمد تلك الثورات بانتزاع الفمين !! و بمرور الوقت و تركز الأفواه اليسرىفى أيدى الإقطاعيين .. بدأت تقل عدد الأفواه .. فكثير منها بات غير ذى قيمة !
      و لما قامت الثورة الصناعية و سقط الإقطاع .. ضمر الفم الأيسر بالكامل !! فاتحا المجال لسيطرة الفم الأيمن الرأسمالى ! و لا ننسى أن شعار الثورة الصناعية كان (أفواهنا حق مش منحة يا ولاد الوسخة) (المصدر : بحث عن الثورة الصناعية أجراه الإمام الشهيد عمرو مصطفى)
      يقول الإمام العلامة الحبر الفهامة كارل بن هينريتش ماركس فى كتابه "المسألة الشرعية فى الرد على الخطايا الأنثروبولجية" فى فصل بعنوان "الجواب الميسر لمن سأل عن إشكالية ضمور الفم الأيسر" - يقول : فى الإنتاج المادى الذى يزاوله الناس , نراهم يقيمون علاقات لا غنى عنها .. مستقلة عن إرادتهم .. و من هذه العلاقات علاقة الآلة المنتجة و أسلوب الإنتاج برمته بالفم. (...) فلما كانت الشيوعية البدائية كان من الممكن الإعتماد على فمين أو أكثر .. إذ لم تكن الأفواه ملكية خاصة .. و فى المنظومة الإقطاعية تناقصت وظائف الفم الأيسر نتاجا لسيطرة القوى الظلامية الرجعية القاهرة .. و بهذا أصبح الفم الأيسر مهيأا لتلقى الضربة القاضية التى وجهتها له الثورة الصناعية على يد (طلعت حرب) .. فضمر نتاجا لأسلوب الإنتاج المتغير ... إن أسلوب الإنتاج هو الذى يحدد عدد الأفواه و ليس العكس !! "

      أطرق السيد مازن لهنيهة ظن فيها يوسف أنه حججه بجته.. إلا أنه ما لبث أن قال : يوسف .. الحق يقال لقد أعجبنى للغاية أسلوبك المنسق فى الحديث .. و تراتبية أفكارك .. و سأختم رأيى بقول واحد هو الأيام بيننا  .. فوفقا لنظريتى العلمية (نظرية التأثير البنيوى للدين على الأنثروبولجيا) و التى أسميتها النظرية المازنية .. سيعود الفم الأيسر للإنسان بمجرد تحرر البشرية من وهم الآلهة .. أى عندما تدرك أن الحقيقة هنا ولا شئ متجاوز للمادة .. و تلحد البشرية جمعاء .. حينها يعود الفم الأيسر

      فرد يوسف بصوت بدا فيه شيئا من الظفر : و وفقا لنظرية الإمام العلامة كارل بن هينريتش ماركس القائلة بترتب الأنثروبولجيا و سائر العلاقات الإنسانية على الإنتاج المادى و التى طورتها أنا و أعطيتها إسم النظرية الماركسوشريفية .. فإن البشرية سيضمر فمها الأيمن بمجرد السقوط العاجل للمنظومة الرأسمالية .. فحينها يغيب المركز من البنية  مع صعود الأناركية.. فتصبح اللغة عديمة القيمة .. فيضمر الفم الأيمن 

      (تصفيق حاد فى صفوف الحضور)

      ثم تصافحا واقفين أمام العدسات التى تكالب حاملوها على تصوير العالم .. و المهرطق !

      الثلاثاء، 12 مارس 2013

      طيران ~ مجموعة قصصية قصيرة جدا 3


       - هذه القصص منفصلة 


      ***

      وهم

      نسجنا خيوطا من الوهم مشكلين بيتا كبيرا .. ثم دلفنا إليه بمطلق إرادتنا .. و قبعنا بداخله .. إلى الأبد !

      ***

      استنجاد

      توالى الطامعون بها تترى , أناس من شتى الطبقات , فهذا فاحش الثراء ذو السلطان و ذاك ميسور الحال , و هذا الفقير المتظاهر بالقدرة .. و لكنها حاولت بائسة مقاومتهم جميعا !

      ثم سمعت السباب و اللعنات تنصب على الأباء و الأجداد و كل ما له صلة بها !

      و نادتنى مستنجدة من الشرفة

      و هممت بالصعود .. لكنى جزعت و انسللت من الطريق خفية !

      ***

      طيران

      كانت تلك الليلة الأخيرة التى سنلتق بها قبل أن تباعد بيننا البحار الزاخرة .. فغدا أسافر إلى الخارج باحثا عن ما لم أجده هنا .. مضت سنون مذ تخرجت و ما زلت عالة على والدى الذى هو عالة على. تمنيت لو سافرت دون أن أرى وجهها .. فأنا لا أحتمل لحظات الوداع و الفراق. و لكن قدمى قادتنى إلى منزلها دون أن أشعر .. وجدتنى واقفا تحت شرفة غرفتها .. و ناديتها فخرجت إلى الشرفة متجهمة الوجه .. و لما رأتنى أشاحت بوجهها ثم دلفت إلى الغرفة دون أن تنبس ببنت شفاه.

      صعدت إلى سطح المنزل و استلقيت على ظهرى و أخذت أنظر فى لا مبالاه إلى تلك النجوم السابحة بجو السماء ..و سبحت بمهامه الفكر.. ترى هل تفعل السماء بتلك النجوم ما تفعله بى الأرض .. تتلقفنى و تطحننى و تعبث بى عبثا .. و ما لى من ناصر .. و ما لى قدرة على المقاومة ..        
       و تلك النجوم, هل تسبح بإرادتها أم أن ثمة من يجبرها على ذلك؟ هل تسبح بإرادتها أم أن ثمة من ألقى بها فى هذه المطحنة؟!
      رفعت يداى إلى السماء مبتهلا .. و تمنيت لو انتهى الدور الذى أؤديه فى تلك المسرحية سريعا .. و ألا يكون مشهدى الختامى مأسويا.

      ما هى إلا لحظات حتى وجدتها جالسة بجوارى

      -      -   كنت أعلم أنك ستصعدين.


      لم تنبس ببنت شفاه .. لم تحرك ساكنا .. كانت عيناها مثبتتان ناحية السماء

      -      -   صدقينى .. ما باليد حيلة , نحن مخطوبان منذ أعوام .. و حتى هذه اللحظة ليس بمقدورنا – أو إذا أردتى الدقة الكاملة – ليس بمقدورى الزواج .. أنا سأسافر لأنى أحبك .. سأذهب لأنى أريدك .. و لن يطول الفراق ..

      لم تتكلم أيضا .. و استمر الصمت الرهيب

      -      -   إنك تقتلينى بصمتك .. قولى أى شئ .. أطلبى أى شئ .. لو طلبتى منى أن أبقى فسأبقى
      -      -   أى شئ؟
      -      -  أجل

      صمتت لبرهة أطالت فيها النظر إلى السماء حتى خيل لى أن عيناها قد أوتيتا القدرة على رؤية ما ورائها .. ثم قالت : أريد أن نطير .. أن نحلق و نسبح بالسماء.

      ثم وقفت على حافة السطح و قالت لى : هيا .. قم لنطير.

      فوقفت .. و اتجهت نحوها غير مدرك لما تريد .. ثم أمسكت بيدى و .. طرنا فى السماء .. كحمامتين.

      السبت، 9 مارس 2013

      ياسمين

      يومها قررت أن أسلك سمتا آخر تفاديا للزحام و تدافع كتل اللحم البشرى ذات الروائح المتباينة المائل أغلبها إلى العفن .. نتاجا لتراكم العرق.

      مضيت فى طريق جديد لا أعلم ما فيه و من فيه
      و حانت منى إلتفاتة صوب اليمين .. و للمرة الأولى .. رأيتها 
      جذبتنى إليها كأنما كانت قطبا سالبا يجذب زوجه الموجب
      مضيت إليها بغير إرادة .. خيم على سحرها فتحول المكان بأكلمه إلى حديقة غناء 
      تحاوطنى الكروم المعروشات و أشجار التفاح بثمارها المتهدلة .. و الياسمين برائحته الأخاذة ..
      و انقلبت الشمس قمرا .. نثر ضوئه الفضى مضفيا على الجنة جوا ساحرا .. و تصاعدت أصوات زقزقة العصافير فى أكناف الحديقة ..

      دنوت منها و أطلت النظر إليها .. و ابتسمت .. فابتسمت
      ثم ضحكت .. فضحكت
      ثم ملت عليها و همست مغازلا .. فضحكت مجددا 
      و هممت بأن أقطفها .. و لكنها توارت خلف الأغصان
      فناديتها .. فقالت لى "إن قطفتنى .. قتلتنى"

      فقلت لها "تذكرينى دوما"

      و هممت بالمضى .. إلا أنها قالت لى "أترك لى ما يذكرنى بك."

      فتركت لها قلبى .. و مضيت.