الأربعاء، 27 يونيو 2012

حول النخبة

فى كل المجتمعات ثمة مجموعة من المثقفين و المفكرين و الكتاب و الأدباء يطلق عليهم إسم النخبة أو الصفوة , و المتعارف عليه أن تلك النخبة تكون هى الأكثر قدرة على تقديم تحليلات تسبر أغوار المشكلات التى تواجه المجتمعات و تلقى بظلالها على مستقبل الشعوب , و من المفترض أن تكون تلك النخبة قادرة على طرح حلول موضوعية واقعية و جذرية للمشكلات و الأزمات , كما أنه من المفترض أن الأفكار و الأطروحات التى تخرج عن النخب تتسم بالطابع التقدمى , و قد أوهمونا قديما أن تلك النخب هى التى تفجر الثورات أو التى تقود الشعوب إبان الثورات.
و ثمة رؤية أخرى للنخبة , و هى رؤية العوام الذين يرونها على أنها مجموعة من الكائنات تعيش على كوكب عاجى و تثرثر بما لا يفهمه العوام و لا يدخل فى دائرة إهتماماتهم من الأساس.

و إذا أردنا أن نوجه نقدا و تحليلا موضوعيا للنخبة , علينا أن نعترف فى البدء بأن من أهم مشاكل النخب هو كونها متقوقعة على ذاتها تعيش حقا فى كوكب عاجى بعيدا عن أرض الواقع و عن متطلباته. غالبا ما تتكون النخب السياسية من أبناء الشرائح العليا فى الطبقة الوسطى أو الطبقة العليا , فهى الطبقات المتاح إليها أن تتعلم تعليما على مستوى عال, و هم المتاح إليهم السفر إلى هنا و هناك, و هم المتاح إليهم الإتصال بكبار المثقفين و المفكرين و التتلمذ على يد هذا أو ذاك  وهم  المتاح إليهم أن يقتنوا الكتب النادرة ؛ و هذا الوضع الإجتماعى له دلالته الواضحة على مواقف النخب.

و فى مصر كباقى الدول توجد تلك النخبة السياسية , و لكنها ينطبق عليها حرفيا الرؤية الثانية للنخب فهم مجموعة من الناس يثرثرون بكلام لا يهم العوام , ثم أنهم و إن تحدثوا و حاولوا تقديم الحلول لا يقدمون إلا هرائات سطحية , كما أننا نجد أغلبهم يرتمى فى كنف السلطة , حيث أن الثورة أو التغيير لا يمثل لهم حلما و ليس فى مساعيهم لأن وضعهم  الإجتماعى الذى أشرنا إليه ليس فى حاجة الى تحسن , بل ربما تؤدى الثورة الى العصف ببعضهم من تلك المناصب الى يتبوؤنها أو الأوضاع التى يعيشون فى ظلها لذا نجد أغلبهم يفضل بقاء الأوضاع على ما هى عليه..إستبدال الحاكم الإستبدادى بآخر أكثر ديموقراطية أو أقل ديكتاتورية..أو دخول أطرافا جديدة داخل معادلة السلطة دون المساس بالقواعد ؛ فذلك - بالنسبة إليهم - خير و أبقى , لذا رأينا جمع كبير من نخبتنا التى تدعى المدنية و العلمانية و التقدمية يرحبون بالإعلان الدستورى المكمل المتمم لإنقلاب فبراير بوصفه الضمانة الوحيدة لحماية مدنية و علمانية الدولة !! 

نخبتنا تطرح أفكارا و حلولا بالية لأنها تفكر داخل الصندوق أو داخل الدائرة , و حركة تفكيرها هى حركة دائرية حول محور ثابت متسم بالجمود , حركة دائرية تتسلى بالعبث اللامتناهى , حركة دائرية ثمرتها الحتمية الدوار الأبدى. فى غيبوبة ذلك الدوار تختفى جميع الأشياء الثمينة و تموت كل المبادئ و تنحط الى أخس أنواع الإنتهازية و الإنهزامية. تباع المبادئ - إن وجدت - مقابل حفنة من المال أو وضع إجتماعى راق.
إن المبادئ التى تباع هى بالقطع مبادئ رديئة.

يبدو أن حل تلك النخبة هو الذى قدمه المبدع نجيب محفوظ فى خاتمة رواية ثرثرة فوق النيل , عندما فك سلاسل العوامة و ترك المثرثرين يثرثرون كما يحلو لهم و لكن فى العزلة.




الأربعاء، 20 يونيو 2012

الجيل الثائر

أتحدث اليوم عن الجيل الثائر الذى أفتخر بكونى منتميا له بعد أن نعته أحد مقدمى البرامج التليفزيونية المعروفين بأنه جيل مستحدث سياسيا.
الجيل الذى أنتمى إليه هو جيل نشأ و ترعرع فى خضم حالة من الركود الفكرى و الثقافى خيمت على المجتمع المصرى و ألقت بظلالها على مستوى الوعى السياسى و الإجتماعى لدى العديد من بنى جيلى; فخرج كثير منًا غير مهتم بإبداء رأيه فيما يدور حولنا من أحداث تتعلق بمسقبلنا, وبالطبع كان لنظام التعليم الفاشل الذى لا يوسع من مدارك و أفق الطلاب دور محورى فى ذلك.

ولكننا فى خضم هذه الظروف المحيطة بنًا من وجود سلطة ديكتاتورية قمعية و تفشى حالة من الركود الفكرى و الثقافى, طفقنا نحن جيل الشباب نعلم أنفسنا بأنفسنا, نحاول إزالة شوائب ذلك الركود العالقة بأذهاننا و نحاول تنقية أدمغتنا من رواسب التنشئة و عوائق اللاوعى, طفقنا نحاول توسيع مداركنا و توسيع أفق تفكيرنا و نحاول كسب المعرفة الشاملة بأمور عديدة و تسليح عقولنا بأفكار ثورية تخرج بنا من دائرة الصراعات السلطوية و الصراعات النخبوية, أفكار نبنى بها جيل قادر على مواجهة السلطة القمعية المستبدة, أفكار لا تموت لأنها مضادة للرصاص.

سلكنا طرق عديدة لننمى ثقافتنا و نوسع مداركنا, أهم هذه الطرق كان القراءة و قد ساعدنا على ذلك إنتشار كافة أنواع الكتب على الإنترنت, كما أتاحت لنا مواقع التواصل الإجتماعى فرصة للتواصل مع غيرنا من المؤمنين بالأفكار الثورية فشرعنا نستفيد منهم و يستفيدوا منّا و نطور أفكارنا من خلال الحوار الفعَال معهم, و كنا نستفيد من النقاش معهم, و فى أحيان كثيرة كانوا يشجعوننا على قراءة المزيد من الكتب المفيدة.

نسعى نحن جيل الشباب الثائر الذى يحاول البعض تهميشه الى تحويل تلك الأفكار التى آمنا بها و رسخت فى أذهاننا الى واقع نراه يتحقق أمام أعيننا, تلك الأفكار المناهضة لسلطوية الأنظمة الحاكمة و الساعية الى خلق حياة أفضل للبشر, حيث لا إستبداد و لا إستغلال, حيث الناس السعداء, و قد أخذنا على عاتقنا مهمة حمل راية النضال متسلحين بأفكارنا قبل كل شئ. و سنصل حتما الى ما نريد.

السبت، 2 يونيو 2012

سلطة الشارع


مقالة مشتركة بين فارس أنس و عمر سليم  :
في خضم هذه الأوقات العصيبة و بعد صدور الأحكام المخزية- في قضية قتل الثوار- فى نظر كثير من الخبراء و الفقهاء القانونيين و في نظر الشارع و أهالي الشهداء , نرى الشارع ينتفض في مسيرات و مظاهرات حاشدة فى كل المحافظات إعتراضا على تلك الأحكام الهزلية , و السمة التى نراها فى تلك الإحتجاجات أنها مثلها مثل أسلافها تحدث بشكل عفوى نتاجا لتراكم الضغوط السلبية على قطاعات واسعة من الجماهير, و من المعلوم أن الأزمة الإجتماعية إما أن تؤدى الى انتفاضة جماهيرية واسعة, أو تؤدى –على العكس تماما- الى حالة من الإحباط و اليأس لا يتحقق معها فعل إيجابى. و لكن تفاقم الأزمة الإجتماعية فى مصر ثم الحكم الهزلى فى قضية قتل الثوار أدى الى حالة من السخط الشعبى العارم, لتثبت الجماهير مجددا أنها أرادت و ستظل تريد إسقاط هذا النظام و القضاء عليه.
 و في رأى البعض أن هذه الاحتجاجات لا أهمية لها و أنها لم تعد تؤثر و هذا رأى في الحقيقة صحيح , فالسلطة أصبحت لا تعير أهمية لهذه التحركات و أصبح المجلس العسكري يُنهى كل حدث إحتجاجى بفض للاعتصام و أحيانا تنتهي بمجزرة مثلما حدث فى محمد محمود, و مجلس الوزراء و ماسبيرو و أخيرا فى العباسية.
 إعتدنا فى المرات السالفة أن تخرج الجموع عن بكرة أبيها فى مسيرات و مظاهرات تجوب الشوارع ثم ينتهى بها المطاف فى ميدان التحرير ثم يعود الناس الى بيوتهم و كأن شيئا لم يكن, و لهذا أسباب عديدة, على رأسها غياب التنظيم أو الكيان الثورى الحقيقى القادر على تنظيم صفوف الجماهير خلال المعارك, إضافة الى ضعف ثقة الجماهير فى القيادات و النخب التى تطفو على السطح حاليا.
و الحركة الشعبية العفوية أثبتت على مر العصور قدرتها على إسقاط النظم الإستبدادية مثلما حدث فى روسيا فبراير 1917 و الماين و النمسا و المجر فى 1918 و فى إيران 1979

و هنا يطرح السؤال الهام نفسه: (ما العمل؟) أو ما الحل الواقعى؟

الحل فى بناء سلطة جماهيرية موازية لسلطة العسكر و هذا الطرح كان موجودا بقوة أثناء المعارك الدائرة فى شارع محمد محمود, و إذا ما تحدثنا عن سلطة بديلة أو موازية, فإننا نضحى بصدد تساؤل آخر أكثر عمقا: ما هى الأشكال التى من الممكن أن تتخذها هذه السلطة البديلة أو الموازية لسلطة العسكر؟ يوجد أكثر من شكل لهذه السلطة, و الذى يحدد نوع هذه السلطة و شكلها هى الجماهير التى تشكلها فى الشارع, و لكننا هنا نسرد بعضا من الأشكال المتعارف عليها لهذه السلطة, أكثر الأشكال المتعارف عليها و التى يتداول الحديث حولها هو المجلس الرئاسى المدنى , ولكن ما هو مجلس الثورة ؟ و من هم أعضائه ؟؟ و ما فائدته الآن ؟ 
مجلس الثورة هي قيادات ثورية متفق عليها من الشعب و لن يختلف عليها أحد لأنها تجمع الأطياف السياسية جميعها , و فائدته فى هذه الظروف هو صنع قوة موازية للحكومة الحالية , و هذا سيؤدى إلى صراع السلطتين و ستنجح سلطة واحدة فقط فى الظفر فى النهاية.ولكن ماذا لو رفض مرشحوا الرئاسة الاتحاد ؟  فيجب انتتنحد الحركات ويشكلوا مجلس تنظيمي لحركة الثوار قادته من كل حركة شخص. 
 و لكن ما نريد أن نطرحه هنا, أن فكرة المجلس الرئاسى ليست هى الحل الأمثل للمشكلة, و ليس المجلس الرئاسى هو الطرح الأفضل لسلطة بديلة موازية قادرة على مواجهة السلطة القائمة, فالمجلس الرئاسى يظل سلطة فوقية و سيكون تشكيله من عدد من الأشخاص البارزة و لكنه يظل فى النهاية حكما للأقلية حتى و إن كانت أقلية ثورية.
 الطرح الأفضل لسلطة بديلة قادرة على مواجهة سلطة العسكر هى السلطة التى تتشكل فى الشارع و تخرج من الشارع و تمثله بشكل حقيقى, السلطة التى تتمثل فى مجالس و لجان شعبية منتخبة فى إنتخابات حرة مباشرة فى المصانع و الأحياء و القرى و المدن و المحافظات.
 سلطة تكون قادرة على قيادة الجماهير الى تقويض النظام و مؤسساته الفاسدة, سلطة تدخل فى صراع قوى مع سلطة العسكر لتنتصر إحدى السلطتين فى النهاية . و لكن للأسف هذه الفكرة تحتاج إلى تيار يسارى ثورى له قاعدة شعبية كبيرة فى الشارع و هذا التيار ليس متوفر للأسف فى مصر

                                                        الحل فى الشارع و سلطته.