الاثنين، 27 أغسطس 2012

الأتباع و السادة و الهراطقة

يوجد ثلاثة أنواع من البشر , أو هكذا أحاول - محاولة قد تصيب أو تخطئ - أن أصفنهم فى هذه التدوينة, النوع الأول أطلق عليه هنا إسم "الأتباع" أو "العبيد" , أما النوع الثانى فهم "السادة" من ملوك و سلاطين و أمراء و رؤساء و أصحاب الجاه و النفوذ, أما النوع الثالث فهم - كما تصفهم كلا من السلطة و أتباعها - "الهراطقة" أولئك الأشقياء الملاعين المتمردين الثائرين.
يوجد نوع من البشر يقدسون الأنظمة الحاكمة, يعشقون النظام و التنظيم الخارجى الشديد, ينظرون للحاكم على أنه مالك رقابهم, و ملجأهم لحظة الضعف, و مجيبهم و منجيهم و مخلصهم , و مانحهم قوت يومهم, و هو الذى بيده حريتهم , يمنحها إليهم عندما يشاء و يسلبها منهم وقتما شاء, قد يركعون أمام السلطان طلبا لمنحته و رضاءه , يحبون دائما أن يتلقوا الثناء من رؤسائهم , فهم يمجدونهم , أولئك الناس يعشقون التنظيم الخارجى الحديدى, تجدهم يفضلون السكن فى الأماكن ذات المنازل المتراصة بشكل منظم ذات الواجهات المتماثلة , إنهم يعشقون التماثل, يريدون أن يكون التنظيم الإجتماعى على أشده , و يبجلون الرقابة , يعملون كالآلات و يتلقون الأوامر كالجنود لا يعصون للحاكم أمرا, إنهم يمجدون الأشخاص و يعبدون الزعماء, و الأفكار التى يخرج بها الزعماء هى - بدون تفكير - أبدع ما أنتجه العقل البشرى !!
إنهم ينفذون كل ما يلقى إليهم من الأعلى, و هم كالنمل أو التحل, ذلك التنظيم الخارجى الحديدى, و فى مجتمع كهذا عندما يظهر عضو مهرطق يهدد أمن المجتمع و سلامة نظامه, وجب بتره و إقصاءه من المجتمع, إما عن طريق عزله فى السجون, أو التخلص منه نهائيا!
أولئك عشاق العبودية ينفون عن الإنسان جوهر إنسانيته, فهم ينفون عنه كونه حرا مسؤولا, بل إنه مجرد عضو فى المجتمع له وظيفة معينة عليه تأديتها دون مماطلة أو معارضة. تلك النوعية من البشر تتمتع بعقلية العبيد أو الأتباع, إنهم ببساطة يحبون أن يكونوا أتباعا لسيد ما, سواء أكان ذلك السيد شخصا أو فكرة, و هؤلاء العبيد يعشقهم النوع الثانى من البشر.

مثلما يحب العبيد أن يكونوا مسودين, يعشق السادة أن يتحكموا فى أتباعهم’ هؤلاء يعشقون العبودية و هؤلاء يعشقون السيادة, الأتباع هم من يعطوا السادة الحكام الأماجد شرعية وجودهم, إنهم يتكاملان كأنهم أجزاء من كل واحد, الأتباع و السادة, الين و اليانغ, الزوج المتوازن.
و بتلك الأفكار التى تعشش فى أدمغة الأتباع فإنهم هم وحدهم من يكفلون للسادة شرعية البقاء, الأتباع يتصورون أنهم بدون السادة حتما سيهلكون بينما تقول الحقيقة أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق. فالسادة غير فاعلين, وليسوا هم من بيدهم رقاب الأمم و ليسوا هم حماه الحمى, و ليسوا هم من بيدهم حرية الأفراديمنحونها و يسلبونها وفقا لأهوائهم, و هم ليسوا منزهين عن الخطأ فهم أناس عاديون لم يهبطوا من السماء بأجنحة, ولا يقومون بفعل معجزات خارقة.
إن الذين يقومون بالتفكير بهذه الطريقة هم النوع الثالث من البشر.


على الجانب المضاد للنوعين السابقين من الناس, يوجد أناس تصفهم السلطات دائما بأنهم أشقياء ملاعين مشاكسين مدمرين, تصفهم بالهراطقة, و كلمة مهرطق يعود إستخدامها ضد المعارضين الى عهد الإمبراطور الرومانى قسطنطين, و إن الكلمة اللاتينية هريتيكيوس haereticus تعنى الإختيار. لذا فإن المهرطقين هم أولئك الذين إختاروا أن يكونوا ضد السلطة, أولئك فى ثورة دائمة ضد شئ ما, يبحثون دائما عن تلك الحلقة المفقودة, أو المخفية. قد يتحدثون عن الخبز و السلام, و لكنهم سيتحثون أكثر عن الحرية و الكرامة و العدالة, إنهم يبحثون عن الإنسان, هم يعلمون أن حريتهم ليست منحة من الحاكم, ولا قوتهم كذلك, فليس الحاكم من يطعمهم, بل هم يعلمون أنهم من يطعموه أولئك الثائرون المتمردون, على عكس الأتباع, لا يحبون السلطة, و هى تقابلهم نفس المشاعر, تمقتهم, و تحاول دائما التخلص منهم.

" فى الأديان يمجد الأتباع الأشخاص و الأوثان, أما عشاق الحرية المتمردون, فيمجدون الله فحسب "