السبت، 22 سبتمبر 2012

إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

هل تغيير أو إصلاح أوضاع أى جماعة يحدث بمجرد إسقاط الأنظمة و الحكومات المستبدة و إستبدالها بأنظمة و حكومات أخرى؟
و هل تنصلح أوضاع الجماعات إذا تغيرت السلطة و لم تتغير الأنفس؟
هل يمكن أن تكون السلطة هى من يغير الأنفس و يصلح الأوضاع؟

إن تغيير الحكومات و الأنظمة هو عمل سهل إذا ما قورن بالعمل الأكبر و هو تغيير الشعوب, من الممكن - و هو ما نراه يتكرر فى تجارب عديدة - إستبدال مجموعة من الطغاه المستبدين بمجموعة أخرى أقل طغيانا و إستبدادا, و يمكن أن نغير الدساتير و الأسماء و الأعلام و الشعارات, و أن نحتفل بذكرى التغيير العظيم المبارك, و لنسأل أنفسنا, ما الذى أحدثه إستبدال الأنظمة الفاسدة بأخرى أقل فسادا؟ هل إنصلحت الأوضاع؟ هل غاب الظلم؟ هل أكل الجائع؟ هل ارتاح الناس؟
إن طريق الإستيلاء على السلطة ثم بدء الإصلاح هو طريق مسدود!
إذا أراد الناس أن يهربوا من الحقيقة الشاقة فإنهم يوهمون أنفسهم بأن السلطة قادرة على إصلاح أوضاعهم و من ثم يرتاحون و يسكنون و يتركوا السلطة تعمل ما تشاء, فهى القادرة على الإصلاح, فلنرتح نحن, هم سيصلحون!!


إنهم يهربون من المرحلة الأولى و الأساسية و ذات الأهمية الكبرى و الصعبة من التغيير, تلك المرحلة هى تغيير الأنفس, ذلك الجهاد الأكبر. فكما أشرنا سابقا لا يمكن إصلاح أو تغيير أوضاع أى جماعة إذا ما كانت المنظومة الأخلاقية باقية على فسادها تنذر بالعصف بالمجتمع كله فى أى لحظة! و كما أشرنا عند حديثنا حول العدالة الإجتماعية إعادة توزيع الثروة (و هو الحل الأسهل) لن يكون كافيا من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية فى مجتمع ما, فمع بقاء المنظومة القيمية على ما هى عليه, لن يجدى أى حل (إقتصادى)..و أشرنا الى وجوب تقديم نموذج يطرح حلا ثنائيا. إصلاح المنظومة القيمية و إعادة توزيع الثروة.
و هذا الحديث لا يخص مسألة العدالة الإجتماعية بمفردها, بل إنه يسرى على جميع مجالات النشاط الإنسانى.

إن القرآن الكريم يقر بوضوح أن تغيير النفس و إصلاح المنظومة الأخلاقية شرط أساسى سابق على تغيير أو إصلاح أوضاع المجتمعات البشرية, حيث يقول تعالى : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" [الرعد : 11]. فلا يمكن أن تتغير الأحوال أو تنصلح حقا بالحلول السياسية أو الإقتصادية فحسب, بل لابد من نموذج تركيبى, يشمل كلا من الإصلاح الجوانى و البرانى, مثلما يقر القرآن.

و هذا الإقرار قد تأكد عمليا و بوضوح فى العصر الأول للدعوة الإسلامية (عصر صدر الإسلام) فقد كان القرآن طيلة الثلاثة عشر عاما الأولى للدعوة (القرآن المكى) مقتصرا على قضايا العقيدة والإيمان و تأكيد المسؤولية و إصلاح النفس..و بكلمة واحدة (إصلاح المنظومة القيمية), و لم يتطرق الى التفريعات و التشريعات المتعلقة بالقضايا العملية و الأنظمة السياسية و الإجتماعية إلا بعد أن إستوفت تلك القضية حقها كاملا.
ولا يعنى كلامى أن يجلس كل منَا فى منزله وحيدا منعزلا عن المجتمع و يحاول تغيير نفسه فى المنزل, و يصمت على الظلم و القمع و الفساد, إن تمرده على هذه الأوضاع القائمة المخالفة لإنسانيته هو فى حد ذاته خطوة كبيرة فى طريق إصلاح نفسه, إن هذا التمرد على تلك الأوضاع يعد قيمة أخلاقية عظيمة. إن الثورة على الأنظمة الفاسدة و الطغاه المستبدين هى قيمة أخلاقية عظيمة, لأنها تقوم من أجل القضاء على شئ لا أخلاقى (الإستبداد)..و بهذا المفهوم تصبح الثورة عمل أخلاقى و الوقوف ضدها لا أخلاقى و الوقوف على الحياد بين الثائر الساعى للتغيير و صاحب السلطة المستبد هو عمل لا أخلاقى أيضا.


الخميس، 6 سبتمبر 2012

العدالة الإجتماعية كمفهوم أخلاقى و واقع إجرائى

فى تدوينة سابقة حول الموضوع نفسه حملت عنوان "العدالة الإجتماعية" و كنا قد كتبناها بالتشارك أنا و زميلى صلاح سامح. كنا قد قدمنا تعريفا أكاديميا مألوفا للعدالة الإجتماعية بوصفها نظاما إقتصاديا يهدف الى إزالة الفوارق الشاهقة بين طبقات المجتمع.

و لكننى أريد هنا أن أعيد تعريف العدالة الإجتماعية بوصفها قيمة و بناءا أخلاقيا قبل أن تكون نظاما إقتصاديا, مثلها مثل مبدأ الشورى, فهو مبدأ أخلاقى. و هذا يطرح أمامنا مشكلة جديدة فى تقديم الخطوات الحقيقية لتحقيق العدالة الإجتماعية فى مجتمع ما.

هناك إشكالية لدى الكثير من المهتمين بهذا الموضوع تكمن فى واحدية الرؤية,  فهم يرون الأزمة من جانب واحد, و بالتالى يطرحون حلولا لهذا الجانب فقط متصورين أنهم بذلك يحلون الأزمة برمتها,و لكن هذا النموذج الذى يقدمونه ليس ذو مقدرة تفسيرية عالية قادرة على تحليل الأزمة تحليلا شاملا كليا و بالتالى حلها لأنهم يتغافلون الجوانب الأخرى التى تشكل عوامل أساسية فى الأزمة.
فيقدمون لأزمة غياب العدالة الإجتماعية حلولا مثل : إعادة توزيع الثروة, أو فرض الضرائب التصاعدية, أو غيره من الحلول الإقتصادية مع إغفال أن المنظومة الأخلاقية باقية على فسادها, و على الجانب الذى يبدو مناقضا بينما هو مشابها إذ يقدم حلا واحديا أيضا مثل إصلاح المنظومة الأخلاقية فحسب, و الإدعاء أنه بإصلاحها لن يكون هناك داع لإعادة توزيع الثروة بشكل عادل و هذا الحل يضعنا فى نفس الدائرة المغلقة حيث لا تحل الأزمة بشكل كلى.

نحن نرى أن هناك ثمة ترابطا بين جميع مجالات النشاط الإنسانى, هناك ترابطا بين النشاط الإقتصادى و الأخلاقى و غيرها من مجالات النشاط الإنسانى, و بالتالى عند محاولة تقديم نموذجا لحل مشكلة ما فى النشاط الإنسانى لابد من رؤية شاملة تقدم حلا أكثر شمولا للأزمة, رؤية تتضمن حلولا لجميع جوانب الأزمة دون إغفال لجانب معين.

فالقول بأن إعادة توزيع الثروة أو فرض ضرائب تصاعدية أو غيرها  من الحلول الإقتصادية ستكون كافية وحدها لحل مشكلة غياب العدالة الإجتماعية فى المجتمع, هو تصور قاصر, فبقاء منظومة القيم الأخلاقية على فسادها و تعفنها يهدد بالعودة (السريعة) الى التفاوت و الظلم الإجتماعى. و هذا النموذج يتوازى مع نموذج آخر يطرح إصلاح منظومة القيم الأخلاقية فى المجتمع كحل نهائى لأزمة التفاوت الشاهق بين طبقات المجتمع.
و النموذجين السابقين قدرتهما التفسيرية منخفضة بعض الشئ إذ أنها واحدية, بمعنى أنها ترى المشكلة من جانب واحد و تقدم حلولا عديدة لهذا الجانب فحسب, فلا تحل المشكلة.

ما أريد الوصول اليه هو أن إشكالية غياب العدالة الإجتماعية فى مجتمع ما هى إشكالية ذات جوانب متعددة و بالاستناد الى ذلك لا يمكن حلها وفقا لنموذج واحدى الرؤية,لن تحل بإعادة توزيع الثروة فحسب مع بقاء المنظومة الإخلاقية على فسادها و تعفنها تكاد تعصف بالمجتمع,و لن تحل بإصلاح المنظومة الأخلاقية دون إعادة توزيع عادل للثروة, لن تحل برؤية واحدية, بل لابد من طرح حلولا تشمل جميع جوانب القضية.

و سأحاول فى تدوينة لاحقة أن أبين الوحدة ثنائية القطب لمفهوم العدالة الإجتماعية فى الإسلام.