الأحد، 22 أبريل 2012

ذوائب العبث

نواصل العبث اللامتناهى الذى أنتجناه على مر الأسابيع و الشهور الماضية, نتشبث تشبثا عجيبا بذوائب العبث, بل أنَا نصطنع  أشكالا جديدة من العبث, ليضحى موجودا حولنا فى كل مكان, فتارة تجده فى مجلس الشعب الذى بات سيركا واسطة العقد فيه سفاسف الأمور و توافهها, و تارة نجده فى تصريحات أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين يحاولون إيهامنا بأنهم على استعداد للرحيل فورا و لكن الظروف تمنعهم, و تارة نجدها فى تصريحات قادة الأحزاب الإصلاحية و فى جلساتهم مع المجلس العسكرى, و تارة تجدها فى مليونيات جماعة الإخوان المسلمين و إعتصامات أنصار المرشح السلفى المستبعد من خوض مسرحية الانتخابات الرئاسية, و ما بين الحديث عن انتخابات الرئاسة و تأسيسية الدستور يصل العبث الى ذروته.


يتصور البعض أحيانا وجود ثمة صراعات و اضطرابات فى العلاقة الزوجية القائمة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة قائد الثورة المضادة و جماعة الإخوان المسلمين الساعية الى إستيعاب الثورة عن طريق إجهاضها برلمانيا بالاعتماد على قوتها و خبرتها التنظيمية و قاعدتها الجماهيرية الواسعة خاصة فى الريف و الأحياء الفقيرة, و لكن الخفاء يبرح و الأيام تسبر غور العلاقة الزوجية الحميمة بين الطرفين, العلاقة القائمة على المصلحة المشتركة لكليهما, العلاقة التى تتوطد كلما صعد و انجلى النور عن عدوهما المشترك المتمثل فى الثورة المصرية, و لو كانت هناك بعض الهزات الخفيفة فى قواعد العلاقة فسببها الخلافات على نصيب كل منهما فى التركة, و لكن تلك الهزات و الاضطرابات الخفيفة ما تلبث أن تختفى إذ يتوحدا فى مواجهة عدوهما المشترك, كل بتكتيكه و لكن باستراتيجية واحدة.


لا ينحصر المنهج العبثى على العسكر و الإخوان وحدهما و إنما يطال من يدعون بالنشطاء السياسيين و الحقوقيين و من يسمون أنفسهم بالثوريين, إذ نجدهم داعمين لأحد المرشحين الإسلاميين من جماعة الإخوان المسلمين و يحاولن إقناع أنفسهم بأنه مرشح ليبرالى أو أنه مرشح منشق عن الجماعة, فهل لو كان أحد الضباط فى جيش السفاح قد استقال من الجيش, هل يعنى ذلك أنه استقال لرفضه منهج القائد السفاح أم أنه استقال لأن السفاح لم يعطيه سلطات أوسع تمكنه من سفك الدماء, ربما يعد هذا تشبيها مبالغا فيه و لكنه يشرح الواقع العبثى المرير.


يتحدث البعض عن إحتمالية عدم إجراء الإنتخابات الرئاسية أو عن قيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالانقلاب على انقلابه على الثورة, و رغم احترامى لكل تلك التحليلات الا اننى أراها تفتقد للدقة, فأرى -رؤية قد تصيب أو تخطئ- أن إجراء الإنتخابات الرئاسية فى موعدها يصب فى مصلحة المجلس العسكرى, فمن جانب سيؤدى هذا الى تهدئة الشارع الى حد بعيد, و من جانب آخر ستوجه جميع الإنتقادات و سيصب الغضب على الرئيس الذى سيكون واجهة تتلقى طعنات الصراع بينما يكمل العسكر حكمهم للبلاد.


ذؤابة العبث تظهر فى تصريحات المرشح البديل للمرشح صاحب مشروع النهضة المزعوم , الذى خرج علينا بالأمس فى مؤتمر صحفى ليعلن بكل سفور عن استمرار العلاقات الدولية و الديبلوماسية و الحفاظ على الاتفاقات الإقتصادية مع الكيان الصهيونى  فى حال فوزه بانتخابات الرئاسة, فبعد عقود من كون جمهورية مصر العربية حليفا للإمبريالية فى الشرق الأوسط, قد تتحول الى مركزا لها فى الشرق الأوسط فى ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين.


المجلس و الجماعة يريدان أن يصل و أن يترسخ لدينا هذا الإعتقاد: إما أن نرضى جميعا و نرضخ للديموقراطية البرلمانية الزائفة (عبودية يختار فيها العبد سيده كل 5 سنوات) الساترة لاستبداد الفاشية العسكرية, و إما أن نجد أنفسنا نسبح فى بحور من الدماء و تحيط بنا الجثث من كل جانب غارقين فى كابوس الفوضى.


((العمل الثورى يتبخر فى الهواء إذا لم يكن منظما, النضال يذهب هبائا إذا لم يكن بتكتيكات واضحة و إستراتيجية محددة)) هكذا يعلمنا التاريخ; لذا فنحن فى أمًس الحاجة فى الوقت الحاضر الى حزب إشتراكى ثورى منغرس فى صفوف العمال و الفلاحين و الموظفين و الطلاب, حزب قادر على قيادة النضال الجماهيرى نحو النصر, حزب قادر على قيادة الجماهير نحو إسقاط الدولة و القضاء على المجتمع الإستبدادى الإستغلالى و بناء المجتمع الإشتراكى الذى ترفرف على راياته شعارات الحرية و العدالة و المساواة.