الخميس، 13 ديسمبر 2012

من هنا نبدأ

دائما ما كان يؤرقنى هذا السؤال و يقض مضجعى, فهذا السؤال كان بمثابة الحائط - الذى لا نهاية له عرضا و طولا - الذى أصطدم به عقب كل محاولة للتفكير فى إجابة سؤال آخر هو (ما العمل؟) يقودنى هذا مباشرة للتفكير فى سؤال من أين تُبدأ عملية الإصلاح؟ و من المنوط به أن يبدأها؟!
إن الخطوة السابقة على هذا السؤال هى طرح الإشكالية طرحاً كاملاً و دراستها دراسةً كليةً دقيقةً و تناول كل جوانبها بالتحليل الموضوعى و إستقصاء النتائج منها و العمل على إيجاد الرابط بينها و بين غيرها لتكوين صورة شاملة كلية و هى خطوة أحسب أن المجهود الذى بُذِل فيها مجهودا عظيما, تترتب على تلك الخطوة خطوة طرح الحلول الموضوعية لجميع الجوانب التى تمت دراستها و تناولها بالتحليل الدقيق, و هى خطوة أحسب أيضا أنها قد بٌذِل فيها مجهودا كبيرا, و كلما فكرت فى هذه الأمور باغتنى سؤال من أين تُبدأ عملية الإصلاح؟
بالطبع إنها يجب أن تكون حيث يوجد الخلل, فى أفكار المجتمع و تصوراته.

لقد كانت إحدى أهداف الغزو الثقافى و الإستعمار الفكرى الأساسية تصحير التربة الفكرية و الثقافية فلا تخرج نبتة جديدة فى هذه الأرض إلا و تكون نبتة مسرطنة أو مشوهة, ولا ينجو من ذلك التشويه و السرطنة إلا ما رحم ربى, و لا تبقى و لا تنمى إلا الأفكار الغاربة المُستعمِرة التى تحقق غايات المُستعمِر فى طمس هوية الشعب المُستعمَر و تغيير أفكاره و قيمه و أخلاقياته و إحتلال عقله و وجدانه. و جعلها تتسلل إلى عقله عبر النخب الحاكمة أو المناهج الدراسية أو الأجهزة الإعلامية  أو الأقلام و العقول المؤيدة للمُستعمِر الواقفة فى صفه العاملة على تحقيق أهدافه, فتقتحم تلك الأفكار العقول عن طريق المجلات و الصحف و الكتب و المسلسلات و الأفلام!
و بذلك ينجح الغزو الثقافى فى الوصول إلى هدفه فى إخلاء المناخ الفكرى أو سرطنته أو تشويهه!
عقود من هذا الركود الثقافى و تصحر التربة الفكرية و تراكم رواسب التنشئة فى ظلهما كانت بدون أدنى شك أحد أهم العوامل المؤدية لحالة التأخر الحضارى و الهزيمة الواقعة على الأمة.

من أين يجب أن تُبدأ إذاً عملية الإصلاح و من المنوط به أن يقوم بتلك العملية المعقدة؟ و ما آلياتها؟ و متى تبدأ؟ .. ظلت تلك الأسئلة تجول بخاطرى و تستحوذ على قدرا عظيما من تفكيرى إلى أن وصلت إلى ما أحسبه جوابا لها ..
فى البدء إن تغيير أو إصلاح الأوضاع لا يمكن أن يكون مجرد تبديل الأنظمة و الحكومات و الدساتير و القوانين, فذاك عمل يسير إذا أرادته الشعوب, ولكنه لا يعد تغييرا حقيقيا للأوضاع. فطريق الإصلاح لا يمكن أن يكون أبداً من أعلى, إن طريق الإستيلاء على السلطة بأية وسيلة ثم البدء فى عملية الإصلاح هو طريق مسدود..واهم من يظنه طريق الصواب, ففساد السلطة ليس إلا عرضا للمرض الحقيقى الذى هو فساد الأنفس و إستعمار الألباب, و البدء من أعلى يتغافل حقيقة أن المشكلة الحقيقية موجودة بالأسفل, موجودة فى العقول و الأفكار و التصورات, أما ذلك الفساد بالأعلى إنما هو عرضا لفساد الأفكار سيزول بزواله. و لكن فساد الأفكار لن يزول بزوال فساد السلطة.
إذا فالطريق لا يبدأ بالإستيلاء على السلطة.

إننا يجب أن نبدأ من حيث تبدأ عملية الإستعمار العقلى للإنسان, من المدرسة, المدرسة تعد الخلية الأولى التى تبدأ فيها الأفكار الغاربة فى التسلل إلى العقول, عبر المناهج و المقررات الدراسية  و عبر منهاج و أسلوب التدريس, فالنخب الحاكمة تعمد إلى تلوين المناهج بم يتوافق مع رؤى كل نخبة, و تعمد إلى أدلجة التاريخ و تزييفه أو لى عنقه فى نصوص المقررات, بل و حتى تُؤدلج العلوم الطبيعية!! و كل ذلك ليتشرب النشئ أفكار النخب و أيدولوجياتها!! ذلك بالإضافة إلى أسلوب التعليم العقيم الذى يكون الطالب فيه مجرد متلق سلبى غير فاعل شبه غائب عن المعادلة التعليمية برمتها!!


عملية الإصلاح و التغيير يجب أن تبدأ من ذلك المكان, من حيث تبدأ عملية الإستعمار العقلى, عن طريق التوعية و محاولة صناعة جيل متحرر من قيود الثقافة الغربية و المشاركة فى جهاد الغزو الثقافى بشتى السبل, ليكون هذا الجيل قائد النهضة و صانع الحضارة عن طريق الأفكار التى تزرع فى عقله فتنبت فى المستقبل أعمالا و أفعالا..
و يمكن البدء بإقامة الندوات التوعوية و عقد الحلقات النقاشية و عرض الأفلام الوثائقية على طلاب المدرسة, و تلك مساهمة عظيمة القدر - حتى و إن كانت ضئيلة على المستوى الكمى - فى جهاد الغزو الثقافى و أدواته و العودة إلى هوية الأمة الحقيقية و وضع أول قدم على طريق الإقلاع الحضارى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق