ملحوظة : تلك القصص منفصلة.
***
صلاة
تلفحت العاهرة باسدالها ثم قالت له : نح الكؤوس و اللفافات جانبا و اغتسل و ألق عليك جلبابك
فنظر إليها بعينين غائمتين متسائلتين ..
فأجابته : إنه وقت الصلاه
فأومأ برأسه متذكرا
و اصطفوا وراء الإمام محاولين جلب الخشوع
***
كراسة رسم
وضعت كراسة الرسم الجديدة أمامى على المكتب و أخرجت علبة الألوان من الدرج ..
كنت قد قررت أن أشرع فى تعليم نفسى الرسم
فى المرة الأولى رسمت خطا
و فى الثانية - و بعد محاولات شاقة - رسمت مربعا
و فى الثالثة رسمت دائرة .. و لكم كانت فرحتى بدائرتى الأولى .. و كان من حولى سعداء كذلك
عاودت الإمساك بالفرشاه .. مرارا و مرارا
أخط خطوطا طولية و عرضية و أرسم دوائر و مربعات و أشكال لا قيمة لها على الإطلاق
.. و بعد فترة طويلة و ليال من الجهد المضنى .. تمكنت من رسم لوحتى الأولى
كانت لوحة لطفل يلهو فى حديقة غناء
لم أصدق نفسى .. كدت أطير جذلا .. و انطلقت مسرعا إلى كل من أعرف لأريها لهم
أبى .. أنظر .. لقد رسمت لوحة , أنظرى يا أمى .. لوحتى الأولى
و أسرعت لأريها للجيران و الأصدقاء
فى اليوم التالى أمسكت بالكراس لأواصل الرسم .. و تأملت كثيرا بلوحتى الأولى ..
ثم أمسكت بفرشاتى و قلبت الصفحة .. و لكن الكراس كان قد انتهى ..
***
سرب حمام
دلفنا إلى محطة القطار و انتظرنا لبرهة حتى وصل القطار لأول الخط .. أخذنا العربة الأخيرة على الرغم من خلو بقية العربات إلا من عدد قليل من الركاب.
كان القطار يمر فى طريقه على بلدان كثيرة .. فحانت منى إلتفاتة إلى النافذة المجاورة .. رأيت أسرابا من الجراد تنقض على حقل من القطن فتهمل فيه أفواهها حتى تبيده عن بكرة أبيه .. بينما كان القوم وقوفا غير مكترثين.
بعد عدة ساعات غلبنى النعاس و رأيتنى محلقا مع سرب من الحمام قاصدين أحد المواطن
و فجأة سقطت إحدى الحمامات فهبط مسرعا لأرى ما الذى ألم بها .. و عندما نظرت إلى أعلى لم أرى سوى سماء صافية الأديم .. كان السرب قد مضى
اجتثنى صوت أحد الركاب ليخبرنا أننا قد وصلنا إلى آخر الخط
و عندما توقف القطار و نزلنا .. وجدنا أنفسنا بالمحطة الأولى.
***
سجن فسيح
بعد ليلة جديدة قديمة حالكة الظلمة فى زنزانتى الفردية الفسيحة التى أنقبع بها مؤثرا إياها على الجلوس بالفناء مع باقى المساجين , أشرقت الشمس من ناحية المغرب !
كان ضوئها الكيب قد طفق يتخلل فتحات الزنزانة عندما كنت أرتل بعض الأذكار ..
أصابنى نورها المشوب بلون خافت معكر بشئ من الاكتئاب .. ولكنى كنت قد وطنت نفسى عليه منذ فترة طويلة ..فالشمس أضحت تديم الشروق من المغرب !
و لكنه شروق ليس كشروقنا النضر البهيج .. ليست هى تلك الشمس التى تعكس بعد مغيبها ضوئها على القرص الفضى لينثره مغازلا أغصانا تهفو ثم يعبرها منثورا على الأديم كحبات اللؤلؤ! لا! إنه شروق كئيب .. شروق هو أشبه ما يكون بالعتمة
تشرق الشمس فيحل الظلام الدامس على الرغم من شدة الضوء!
أتلفح بالبطانية منقبعا من ذلك الشروق الكئيب ..
و لكن ما هى إلا دقائق و يغمر هذا الضوء الكئيب المكان بأكمله مخترقا حاجز البطانية كأنها لم تك شيئا ..
لم يعد إذن من فارق بين الداخل و الخارج .. فأقرر الخروج!
*
كان يسألنى دائما عن سبب عزلتى و انقباعى .. و لكنى كنت أومئ برأسى دون أن أنبس ببنت شفاه
و ذات مرة قال لى : "هل سأمت الحرية؟ لقد سأمتها دون شك."
- إن الحرية هى جوهر وجودنا وغايته .. إنها شئ لا يسأم!
- إذن لماذا تؤثر العزلة؟ لماذا تهرب من هذا العالم الحر الفسيح؟
- زنزانى أفسح من عالمكم .. عالمكم الفسيح لا يسعنى .. ماذا تفعلون أنتم بالخارج ؟ .. لا شئ ! إنكم تخدعون أنفسكم بإيهامها أنكم تخرجون من السجن حين تتركون الزنازين إلى الفناء .. ولكن لا تدركون أن الجدران تحاوكم من كل جانب .. حتى خارج الزنازين .. إنكم ترونها و لكنكم لا تبصرونها .. إنى أنتظر بفارغ الصبر تلك اللحظة التى يفرج فيها عنا .. أنى أتوق لنسيم الحرية."
"مشكلتك أنك لا تدرك أنك خرجت من السجن منذ .... ثلاثة أعوام !"