الخميس، 28 فبراير 2013

مجموعة قصصية قصيرة جدا



تلك القصص منفصلة ..

******************************


طلاء 

كانت البلدة واقعة تحت براثن الاستعمار .. مقوضة بحدوده و سدوده .. أسيرة قيوده الضاربة فى جذورها .. على الرغم من جلاء المستعمر منذ عهد سحيق ..

بعد ليال حالكة الظلمة , أشرقت الشمس .. من حيث تغيب ..

و رأوا البلدة المجاورة تتقدم و تتطور , ينتجون و يستهلكون و يسرفون ..

يفعلون كما يفعل المستعمر الراحل فى أرضينه ..

فأضحى ذاك التقدم حلما قوميا منشودا .. ترسخ فى ألباب الأجيال المتعاقبة ..

و بعد عقود من المحاولة و الفشل , طلوا أنفسهم بطلاء أبيض اللون !


******************************

عشق 

كان وجهها شاحبا للغاية و امارات الحزن الدفين متبدية عليه .. كأنها جزء لا ينفك من ملامحه.

فسألتها : ماذا بك؟

و لكنى لم أسمع أي جواب على الإطلاق

صمت لبرهة ثم عاودت سؤالى .. و فى تلك المرة أيضا لم أسمع أية أجوبة

قلت فى نفسى لعلها مكتئبة إلى الحد الذى يستعصى معه الحديث .. و مضيت ..

***

فى اليوم التالى سألتها مجددا "ماذا بك؟"

و لكن صمتها استمر محدثا فى نفسى أثرا جللا .. 

اقتربت منها و ربت على ظهرها ثم عاودت سؤالى مرارا حتى كللت 

و لكنها فى كل مرة لم تريحتى بالجواب .. نفس ذلك الصمت الرهيب .. نفس تلك الصفعة .. تلقيتها .. و مضيت ..

***

كان وجدها قد ازداد شحوبا و جسدها قد انبرى فى المرة التاسعة أو ربما العاشرة التى التقينا بها

و ما زال صمتها مستدام .. ما زال يصفعنى و يطعننى 

- لماذا ترفضين الإفصاح عما بك؟

- ......................................

- هزل جسدك . ستموتين هكذا !

- ....................................

- هل قصرت معك فى شئ؟

- ...............................

- أرجوك , قولى أى شئ . أريحينى .. عللينى .. أطردينى ..قولى أى شئ !!

لكنها لم تقل .. و استمر الصمت ..

لمحت على الطاولة المجاورة قدح من الماء كنت أعلم أنه لها .. فأطرقت لهنيهة .. ثم نظرت إليها و لم أتبين إن كانت تنظر حدوى أم لا؟

قفزت بقدح الماء .. و ظللت أسبح فى أكنافه حتى ذبت تماما ..

و ما لبث أن جاء الساقى و أمسك بقدح الماء و سقاها .. و كنت من ضمن ما سقى ..

الآن فقط سوف أعلم ما بك .. الآن فقط سوف أعلم لماذا تديمين الصمت .. الآن سنتوحد إلى الأبد .. 

أيتها الشجرة 


******************************


عدل ظالم

كان وجهه شاحبا و كانت مقلتاه جاحظتان و عيناه حمراوان .. كأنه لم يذق لللنوم طعما منذ قرون .. ظل مطرقا لدقائق مرت كالدهر .. ثم قال : "يؤسفنى أن أقول لك بأنه (تلعثم قليلا ثم أكمل) بأن الحكم سيصدر بإعدامك."

- "و لكن .. و لكنك تعلم أنى لم أفعل شيئا"
قلتها و أنا أحاول أن أسيطر على أعصابى

- " أجل , أعلم ذلك .. أعلم أنك برئ .. بل و من هم فوقى و بيدهم مقاليد أمرك يعلمون ذلك ! و لكن القانون لا يعلم ذلك .. القانون لا يأبه لمعرفتنا بل و يقيننا بأنك برئ .. القانون لا يأبه لغير تلك الأوراق التى تقطع بأنك مذنب."

- " و لكنكم تعلمون أنها ملفقة."

- "نعلم ذلك .. لكن ليس لدينا دليل .. صدقنى يا بنى .. كلنا تعلم أنك برئ .. و لكن القانون - كما قلت لك - لا يأبه بذلك .. و لكن سلواك أنك ستموت مظلوما ..لعلك تدخل الجنة."

- " أنتم واضعوا القوانين و بمقدوركم التحايل عليه .. أو حتى إيقافه .. لو كان أحدكم مكانى لفعلتم!

فجأة وجدته يترك موقعه فى هدوء شديد و يقترب منى بخطوت وئيدة .. ثم يصفعنى .. و يعود إلى كرسيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق