تلك القصص منفصلة ..
******************************
طلاء
كانت البلدة واقعة تحت براثن الاستعمار .. مقوضة بحدوده و سدوده .. أسيرة قيوده الضاربة فى جذورها .. على الرغم من جلاء المستعمر منذ عهد سحيق ..
بعد ليال حالكة الظلمة , أشرقت الشمس .. من حيث تغيب ..
و رأوا البلدة المجاورة تتقدم و تتطور , ينتجون و يستهلكون و يسرفون ..
يفعلون كما يفعل المستعمر الراحل فى أرضينه ..
فأضحى ذاك التقدم حلما قوميا منشودا .. ترسخ فى ألباب الأجيال المتعاقبة ..
و بعد عقود من المحاولة و الفشل , طلوا أنفسهم بطلاء أبيض اللون !
******************************
كان وجهها شاحبا للغاية و امارات الحزن الدفين متبدية عليه .. كأنها جزء لا ينفك من ملامحه.
فسألتها : ماذا بك؟
و لكنى لم أسمع أي جواب على الإطلاق
صمت لبرهة ثم عاودت سؤالى .. و فى تلك المرة أيضا لم أسمع أية أجوبة
قلت فى نفسى لعلها مكتئبة إلى الحد الذى يستعصى معه الحديث .. و مضيت ..
***
فى اليوم التالى سألتها مجددا "ماذا بك؟"
و لكن صمتها استمر محدثا فى نفسى أثرا جللا ..
اقتربت منها و ربت على ظهرها ثم عاودت سؤالى مرارا حتى كللت
و لكنها فى كل مرة لم تريحتى بالجواب .. نفس ذلك الصمت الرهيب .. نفس تلك الصفعة .. تلقيتها .. و مضيت ..
***
كان وجدها قد ازداد شحوبا و جسدها قد انبرى فى المرة التاسعة أو ربما العاشرة التى التقينا بها
و ما زال صمتها مستدام .. ما زال يصفعنى و يطعننى
- لماذا ترفضين الإفصاح عما بك؟
- ......................................
- هزل جسدك . ستموتين هكذا !
- ....................................
- هل قصرت معك فى شئ؟
- ...............................
- أرجوك , قولى أى شئ . أريحينى .. عللينى .. أطردينى ..قولى أى شئ !!
لكنها لم تقل .. و استمر الصمت ..
لمحت على الطاولة المجاورة قدح من الماء كنت أعلم أنه لها .. فأطرقت لهنيهة .. ثم نظرت إليها و لم أتبين إن كانت تنظر حدوى أم لا؟
قفزت بقدح الماء .. و ظللت أسبح فى أكنافه حتى ذبت تماما ..
و ما لبث أن جاء الساقى و أمسك بقدح الماء و سقاها .. و كنت من ضمن ما سقى ..
الآن فقط سوف أعلم ما بك .. الآن فقط سوف أعلم لماذا تديمين الصمت .. الآن سنتوحد إلى الأبد ..
أيتها الشجرة
******************************
عدل ظالم
كان وجهه شاحبا و كانت مقلتاه جاحظتان و عيناه حمراوان .. كأنه لم يذق لللنوم طعما منذ قرون .. ظل مطرقا لدقائق مرت كالدهر .. ثم قال : "يؤسفنى أن أقول لك بأنه (تلعثم قليلا ثم أكمل) بأن الحكم سيصدر بإعدامك."
- "و لكن .. و لكنك تعلم أنى لم أفعل شيئا"
قلتها و أنا أحاول أن أسيطر على أعصابى
- " أجل , أعلم ذلك .. أعلم أنك برئ .. بل و من هم فوقى و بيدهم مقاليد أمرك يعلمون ذلك ! و لكن القانون لا يعلم ذلك .. القانون لا يأبه لمعرفتنا بل و يقيننا بأنك برئ .. القانون لا يأبه لغير تلك الأوراق التى تقطع بأنك مذنب."
- " و لكنكم تعلمون أنها ملفقة."
- "نعلم ذلك .. لكن ليس لدينا دليل .. صدقنى يا بنى .. كلنا تعلم أنك برئ .. و لكن القانون - كما قلت لك - لا يأبه بذلك .. و لكن سلواك أنك ستموت مظلوما ..لعلك تدخل الجنة."
- " أنتم واضعوا القوانين و بمقدوركم التحايل عليه .. أو حتى إيقافه .. لو كان أحدكم مكانى لفعلتم!
فجأة وجدته يترك موقعه فى هدوء شديد و يقترب منى بخطوت وئيدة .. ثم يصفعنى .. و يعود إلى كرسيه.